إذا كان تلغراف كلود شاب الذي تحدثنا عنه في الحلقة السابقة، هو أول جهاز للاتصال في العالم، فإن اختراع التلغراف الكهربائي يعود إلى الأمريكي سامويل مورس. بطارية وقاطع وجهاز كهرومغناطيسي أجهزة كافية لتشغيل تلغراف مورس الكهربائي الذي سيعرف النور سنة 1837. بالإضافة إلى جهاز التلغراف سيبتكر مورس لغة تلغرافية للتواصل بين جهاز الإرسال وجهاز الاستقبال وهي لغة بسيطة وسهلة الاستعمال. هذه اللغة البسيطة هي مكمن قوة تلغراف مورس وهي التي كانت وراء توسعه العالمي.
الصور التالية توضح نموذجا من تلغراف مورس:
جهاز الإرسال مورس
جهاز الاستقبال مورس
حكاية تلغراف مورس تعود لسنة 1800 حين تمكن الفيزيائي فولتا من اختراع أول بطارية كهربائية. وفي سنة 1827 سيكتشف الألماني ستينهيل أن خيطا كهربائيا مرتبطا بالأرض كاف لجعله قادرا على إرسال الإشارات. وفي 1833 الإنجليزي ميكائيل فرداي يكتشف أن المغناطيس بإمكانه التأثير على التيار الكهربائي، وأن هذا التأثير إذا تم وفق نظام محدد بين جهاز للإرسال وآخر للاستقبال، فإن الجهازين بإمكانهما التواصل عبر تبادل الرسائل.
هذه الاكتشافات والاختراعات ستفتح المجال واسعا للأبحاث في مجال التلغراف الكهربائي. وهكذا ستتم في مجموعة من الدول كفرنسا وإنجلترا وألمانيا واسكتلندا وإيطاليا، أبحاث كثيرة موضوعها هو التلغراف الكهربائي. لكن الأعمال العلمية التي ساهمت فعليا في إنجاز هذا التلغراف هي تلك التي أنجزها سنة 1820 الأستاذ في مدرسة البوليتيكنيك في باريس والمتخصص في الرياضيات والفيزياء، العالم أندري أومبير الذي عرض على أكاديمية العلوم الفرنسية جهازا تلغرافيا مُعتمدا على المبادئ الكهرومغناطيسية.
بعد هذه التجربة تسارعت الأبحاث لإنجاز نماذج أخرى من التلغراف الكهربائي ساهم فيها بشكل أساسي كل من الدبلوماسي الروسي بافيل شيلينك والإنجليزي ويليام كوك سنة 1832. بعد ذلك سيتمكن الفيزيائي الإنجليزي ويتستون سنة 1838 من إنجاز تجربة تلغرافية ناجحة بين مدينتي لندن وبرمنكهام.
لكن في النهاية سيتغلب تلغراف مورس على جميع الأنواع الأخرى. ويرجع ذلك إلى كون مورس إلى جانب التلغراف سيتمكن من ابتكار لغة للتواصل بين جهازي الإرسال والاستقبال التلغرافيين وهي أول لغة للاتصال في التاريخ يتم اعتمادها لجعل آلتين تقنيتين تتواصلان باستعمال لغة يفهمها جهاز الإرسال وكذا جهاز الاستقبال. لغة التواصل التلغرافي هذه والمعروفة ب ” كود مورس” ستتمكن من فرض ذاتها على الصعيد الدولي وذلك للنجاعة التي تتميز بها وسهولتها في الاستعمال.
سامويل مورس سيحصل على براءة اختراع تلغراف كهربائي يحمل اسمه في 28 شتنبر 1837. لكن لتطوير آلته التلغرافية سيقوم “مورس” بإشراك شاب مغمور هو ابن صاحب معمل صغير متخصص في الإلكتروميكانيك. فالنجاح في المشاريع يتطلب شركاء نختارهم بعناية لتحقيق أهداف مشروعنا.
سمويل مورس سيجد في البداية صعوبة في إقناع الكونغرس الأمريكي في تمويل إنشاء خط تجريبي لتلغرافه. لكن في سنة 1842 سيتمكن أخيرا من الحصول على الاعتمادات المالية الضرورية لإنجاز مشروعه. وفي يناير 1845 سيتم تدشين أول خط تلغرافي في العالم يشتغل وفق منظومة مورس يربط بين واشنطن وبلتيمور.
في الأخير، لا بد من الإقرار بأن إشارة مورس التلغرافية المعتمدة على الانقطاع المتتالي للتيار الكهربائي، ستفتح المجال في المستقبل لتطوير وسائل الاتصالات وهي إشارة لازالت مستعملة حتى وقتنا الراهن خاصة في الملاحة البحرية ومن طرف الجيوش الحربية.
سعيد الغماز