في يوم 28 أبريل2025، عاشت إسبانيا والبرتغال، واحدة من أعنف الأزمات الكهربائية في تاريخهما. لقد انقطع التيار الكهربائي بشكل شبه كلي عن معظم مناطق البلدين، وامتد الانقطاع إلى الجنوب الفرنسي بحكم ترابط الشبكات الكهربائية في البلدان الأوروبية.
انقطع الكهرباء في إسبانيا والبرتغال، لكن لماذا انقطع الأنترنيت في المغرب؟ ما علاقة شبكتنا الوطنية للأنترنيت بالكهرباء في إسبانيا والبرتغال؟ وما ذا وقع لينطفئ الضوء في معظم التراب الإسباني والبرتغالي؟
هذه الأسئلة سنحاول الإجابة عنها لتعم الفائدة، وليجد الجواب كل متسائل وكل حائر أمام ما وقع.
لفهم ما وقع، يجب أولا أن نعرف أمرين اثنين: الأول هو أن جميع الدول مرتبط بالشبكة العنكبوتية عبر منصة تسمى “عقدة الأنترنيت” (Noeud Internet). إنها ببساطة، النافذة التي تفتح جميع البلدان على شبكة الأنترنيت الدولية. الأمر الثاني هو أن أكثر من 90% من المواقع والتطبيقات التي نزورها يوميا عبر الأنترنيت، تتواجد خارج البلاد وخاصة في بلدان القارات الثلاثة أمريكا الشمالية أوروبا وآسيا.
لتقريب الصورة أكثر لذهن القارئ الكريم، أقول إن تصفحنا لصفحة على الفايسبوك من المغرب، يتطلب الربط مع خواديم الفايسبوك (Les Serveurs) المتواجدة بالولايات المتحدة الأمريكية. وهذا يتطلب بالضرورة المرور بشبكة الأنترنيت الأوروبية وخاصة فرنسا وإسبانيا والبرتغال بالنسبة للمغرب، للوصول إلى أمريكا.
إذا…. ولوج المواقع والتطبيقات عبر الأنترنيت، مرتبط بعلاقة شبكة الأنترنيت في المغرب بشبكة الأنترنيت في كل من فرنسا إسبانيا والبرتغال.
انقطاع الكهرباء عن إسبانيا والبرتغال، جعل الأنترنيت ينقطع هو الآخر في هذين البلدين. وولوج الأنترنيت من المغرب عبر إسبانيا أو البرتغال أصبح متعذرا. ولم يبقى سوى المرور عبر فرنسا لأنها لم تعرف الانقطاع التام للكهرباء.
شركتي اتصالات المغرب وإنوي، في إطار اتفاقية تجمعهما، قامتا بتوجيه صبيب الأنترنيت اتجاه فرنسا. لذلك لم ينقطع الأنترنيت بشكل تام بالنسبة لزبناء الشركتين. لكن تَعَذُّرْ المرور عبر إسبانيا والبرتغال، تسبب في تقلص الطاقة الاستيعابية لأكثر من النصف، وهو ما لمسه الزبائن بضعف الصبيب، وأنترنيت ثقيل في التجاوب وتحميل المعطيات.
أما بالنسبة للفاعل الفرنسي أورانج (ميديتيل سابقا)، فإن صبيب الأنترنيت لكل زبائن الشركة يمر عبر إسبانيا. وانقطاع الكهرباء في هذا البلد الإيبيري تسبب في انقطاع الأنترنيت، وبالتالي تعذر مرور صبيب الأنترنيت بالنسبة لزبائن أورانج. لذلك كان الانقاع عن الأنترنيت كليا بالنسبة للشركة، التي لم تستطع استعمال الكابل البحري الذي يربط شبكة اتصالات المغرب بفرنسا، لأنها لم توقع اتفاقية تقاسم البنيات التحتية كما فعلت إنوي.
هكذا إذا نفهم ارتباط شبكة الأنترنيت في المغرب، بالكهرباء في إسبانيا والبرتغال.
وللمزيد من التعريف بالبنيات التحتية الخاصة بالأنترنيت، نورد بإيجاز تطور هذه البنية التحتية عبر التاريخ. والمرجع هو كتاب “الاتصالات في المغرب…130 عاما من التاريخ” لمؤلفه المهندس في الاتصالات سعيد الغماز.
1992: المغرب يقيم حبلا بحريا رقميا من الألياف البصرية (Fibre Optique) اسمه “أورافريكا” يربط بين المغرب والبرتغال وإسبانيا.
1994: المغرب ينشئ حبلا بحريا رقميا من الألياف البصرية بين مدينة تطوان ومدينة إستونيا بإسبانيا.
1999: ربط المغرب انطلاقا من تطوان ب33 دولة عن طريق محطة بحرية باستعمال حبل بحري رقمي من الألياف البصرية.
2007: المغرب يُقيم حبلا بحريا رقميا من الألياف البصرية بين مدينة أصيلا ومدينة مرسيليا بفرنسا.
2012: المغرب ينشئ حبلا بحريا رقميا من الألياف البصرية بين مدينة أصيلا ومدينة إشبيليا بإسبانيا.
2022: المغرب يقيم حبلا بحريا رقميا من الألياف البصرية بين مدينة الدار البيضاء ومدينة لشبونة البرتغالية. هذا الحبل يربط كذلك فروع اتصالات المغرب في إفريقيا عبر مدينة الداخلة في الصحراء المغربية ويحمل اسم “West Africa”. هذا الحبل البحري الرقمي يربط كذلك المغرب بدول إفريقية مثل: ساحل العاج-طوغو-بنين-الغابون وموريتانيا، وذلك باستعمال 7 نقاط للربط في المدن التالية: الدار البيضاء-الداخلة-أبيدجان(عاصمة ساحل العاج)-لومي (عاصمة الطوغو)-كوتونو(في البنين)-ليبرفيل (عاصمة الغابون)-ونواديبو(في موريتانيا). كما يربط هذا الحبل البحري كذلك، بعض الدول الغير ساحلية كمالي وبوركينافاسو والنيجر عبر حبل رقمي أرضي.
وتجدر الإشارة إلى أن تزويد المملكة المغربية جارتها إسبانيا بالطاقة الكهربائية، لمعالجة خلل الانقطاع المفاجئ للكهرباء في هذا البلد الإيبيري، يشكل حدثا له قيمة كبرى. ويعكس التقدم الذي أحرزه المغرب في مجال الطاقة بتنويع مصادرها باستعمال الطاقة الهجينة من قبيل الطاقة الشمسية والريحية والهدروجين الأخضر.
أما بخصوص أسباب هذا الانقطاع الغير مسبوق للكهرباء في ربوع إسبانيا والبرتغال، فإن الأمر ليس مفهوما لحد الآن. فليس هناك أي أساس علمي أو تقني يمكن أن نفسر به ما وقع. كما أن الهجوم السيبراني غير وارد. وفي انتظار فك لغز هذا الانقطاع المفاجئ للكهرباء من قبل الخبراء والمتخصصين، تبقى الرواية التالية هي السائدة: سبب انقطاع الكهرباء يعود إلى التغير المناخي الذي تشهده المنطقة. ومن الناحية العلمية، يقول الخبراء في تفسير أولي لما وقع، إن الرياح القوية التي شهدتها المنطقة، تسببت في حركة غير اعتيادية للأحبال ذات الضغط الكهربائي العالي، مما تسبب في بروز تيار كهروميغناطيسي في الهواء، نتج عنه ضعف كبير في الطاقة الكهربائية التي تحملها تلك الأحبال الكهربائية. الأمر الذي تسبب في الانقطاع التام للكهرباء في كل من إسبانيا والبرتغال.
يبقى هذا تفسيرا أوليا، لحدث غريب وبعيد عن أي تفسير علمي، في انتظار تقرير الخبراء والمتخصصين.
سعيد الغماز-كاتب وباحث في الرقمنة والذكاء الاصطناعي
التعاليق (0)