التصنيف: على حافة القلم

  • شكراً أخنوش.. حين يسقط القناع وتتكشف الحقائق مع اقتراب الانتخابات

    شكراً أخنوش.. حين يسقط القناع وتتكشف الحقائق مع اقتراب الانتخابات

    في أفق الانتخابات التشريعية المقبلة، التي لا تفصلنا عنها سوى شهور قليلة، يعيش المغاربة لحظة تقييم ومحاسبة، لحظة يتجلى فيها الصادق من الكاذب، والجدي من المهرج، والوطني من المتاجر بشعارات الوطنية.

    ففي المشهد السياسي والإعلامي، تتكرر نفس الوجوه، لكن مع كل محطة مفصلية، كما هو الحال اليوم، تسقط بعض الأقنعة ويُكشف بعض المستور.

    وهنا، لا يسعنا إلا أن نقول: “شكراً أخنوش”، ليس لأنك قدمت إنجازاً عظيماً، ولكن لأنك، بقصد أو بغير قصد، قدمت خدمة كبيرة للمغاربة: أسقطت ورقة التوت التي كانت تخفي عورات الكثيرين.

    لطالما تساءل المواطن البسيط عن حقيقة النخب التي تتصدر المشهد السياسي والإعلامي والاقتصادي. من هو الوطني الحقيقي؟ من هو الصحفي النزيه؟ من هو المثقف العضوي الذي يعيش هموم الشعب؟ من هو المدبر القادر على قيادة مرحلة صعبة؟ من هو السياسي الذي يملك رؤية واضحة وليس مجرد بيدق في لعبة مصالح؟

    بفضلك، يا أخنوش، لم نعد بحاجة إلى أسئلة، فقد قدمت لنا الأجوبة دون أن نطلبها، بمجرد أن أصبحت في الواجهة، بدأت تتكشف المواقف، وظهر للناس من يدافع عن المصلحة العامة ومن يدافع عن مصالحه الخاصة.

     رأينا كيف انقسمت الآراء بين مدافعين شرسين يبررون كل شيء، وبين معارضين لا يرفضون السياسات بقدر ما يهاجمون الأشخاص. وبين هؤلاء وهؤلاء، ظهر من ظلوا صامتين، يراقبون المشهد بعيون متأملة، حتى لا يقعوا في فخ التسرع.

    يقال إن الأزمات هي التي تكشف حقيقة الرجال، وفي سياقنا اليوم، لا يتعلق الأمر بأزمة اقتصادية فقط، بل بأزمة ثقة، المغاربة فقدوا الثقة في الكثير من السياسيين، وهم اليوم في مرحلة اختبار حقيقي للنخب، خاصة مع اقتراب الانتخابات التشريعية المقبلة.

    من يصدق المغاربة اليوم؟ هل يثقون في الوجوه التي ألفوها منذ سنوات، والتي لم تقدم سوى الكلام؟ أم يراهنون على وجوه جديدة، ربما تكون أقل خبرة، لكنها لم تتلوث بلعبة المصالح؟

    بفضلك، يا أخنوش، فهم المغاربة أن السياسة ليست مجرد خطابات رنانة، بل أفعال ونتائج. فهموا أن الصحافة ليست مجرد مقالات رأي، بل موقف والتزام. فهموا أن المثقف ليس من يبيع الوهم، بل من ينير الطريق للناس.

    المغرب اليوم أمام منعطف مهم، والانتخابات المقبلة ليست مجرد استحقاق عادي، بل فرصة لتصحيح المسار.

     المغاربة أصبحوا أكثر وعياً، وأكثر قدرة على التمييز بين الخطاب الشعبوي والخطاب الواقعي، بين من يتحدث باسمهم ومن يتحدث باسمه الشخصي.

    فالسؤال الكبير الآن: على من سنعتمد في المرحلة المقبلة؟ هل سنعيد نفس الأسماء، بنفس السياسات، بنفس العقليات؟ أم أننا سنمنح الفرصة لمن يستطيع أن يقدم حلولاً حقيقية بدل تبريرات فارغة؟

    إن ما نعيشه اليوم هو لحظة فرز تاريخية، لحظة تعرية حقيقية، جعلتنا نرى بوضوح من يعمل لصالح هذا الوطن، ومن لا يرى فيه سوى مزرعة مصالح.

    في النهاية، لا يهم إن كان سقوط ورقة التوت متعمداً أو عفوياً، المهم أنها سقطت، وأن المغاربة رأوا ما كان مخفياً عنهم لسنوات. اليوم، لا مجال للأوهام، لا مجال للخداع، لا مجال للتلاعب بالمشاعر.

    لقد بات واضحاً أن الانتخابات القادمة لن تكون مجرد تصويت عادي، بل استفتاء حقيقي على من يستحق الثقة، وعلى من سقط قناعه إلى الأبد…وشكرا أخنوش

  • احتفالات رأس السنة الأمازيغية في أكادير: بين الأصالة والانزياح الثقافي.

    احتفالات رأس السنة الأمازيغية في أكادير: بين الأصالة والانزياح الثقافي.

    لطالما كان الإبداع مفهومًا يتجاوز مجرد الخروج عن المألوف؛ فهو عملية ديناميكية تعتمد على استنبات الأفكار وإعادة صياغتها بمنطق جديد يتناسب مع الحاضر ويتطلع إلى المستقبل. الإبداع الحقيقي لا ينفصل عن الذاكرة الجماعية، بل يعيد تشكيلها بطرق مبتكرة تحافظ على الجذور مع انفتاحها على التطور.

    في هذا السياق، تثير احتفالات رأس السنة الأمازيغية في مدينة أكادير تساؤلات حول مدى انسجامها مع القيم والتقاليد الأمازيغية الأصيلة، خاصة مع إدخال عناصر مثل الألعاب النارية التي تبدو منفصلة عن الهوية الثقافية الأمازيغية.

    الألعاب النارية: عنصر دخيل أم إبداع جديد؟                                  

    في احتفالات أكادير الأخيرة، لفتت الألعاب النارية الأنظار بجاذبيتها البصرية، لكنها أثارت تساؤلات حول مدى توافقها مع الروح الثقافية الأمازيغية. فرغم إبهارها، لا تحمل الألعاب النارية نفس القيمة الرمزية التي تجسدها تقاليد أمازيغية أصيلة مثل التبوريدة، التي تعكس قيم الفروسية والشجاعة، أو الرقصات الشعبية والمأكولات التراثية التي تعبر عن ارتباط عميق بالأرض والتاريخ. هذه التقاليد ليست مجرد مظاهر احتفالية، بل هي تعبيرات حية عن تاريخ وثقافة شعب متجذّر في أرضه.

    إدخال عناصر دخيلة مثل الألعاب النارية قد يُفقد الاحتفالات رمزيتها الثقافية ويُهدد بتحويلها إلى فعاليات تفتقر إلى العمق الثقافي الذي يميز الاحتفالات الأمازيغية التقليدية. هذا الانزياح الثقافي يطرح تساؤلات حول مدى الحفاظ على أصالة الاحتفالات في ظل إدخال مظاهر قد تُضعف الهوية الثقافية.

    نحو احتفالات أكثر أصالة

    في مواجهة هذا الانزياح، تبرز الحاجة الملحّة لإعادة تصميم احتفالات رأس السنة الأمازيغية بحيث تُعزز الهوية الثقافية بدلًا من طمسها. يمكن تحقيق ذلك من خلال التركيز على العناصر التقليدية الأصيلة، مثل عروض التبوريدة، والموسيقى الأمازيغية، والرقصات الشعبية، والمأكولات التراثية التي تعكس التنوع الثقافي للمنطقة. هذه الأنشطة ليست مجرد مظاهر احتفالية، بل هي رسائل ثقافية تُبرز غنى التراث الأمازيغي ورمزيته العميقة.

    الإبداع الحقيقي لا يعني التخلي عن الماضي، بل هو عملية توظيف للذاكرة الجماعية بطرق مبتكرة تُعزز الحاضر وتستشرف المستقبل. لذلك، يجب أن تكون احتفالات رأس السنة الأمازيغية فرصة لإعادة تأكيد الهوية الثقافية وترسيخها، بدلًا من تقليد مظاهر دخيلة قد تُضعفها.

    دعوة للتأمل والعمل

    من هذا المنطلق، ندعو المهتمين بالشأن الثقافي الأمازيغي إلى التفكير بوعي في كيفية صون هذه الهوية والاحتفاء بها. الحفاظ على التراث الأمازيغي مسؤولية جماعية تتطلب وعيًا ثقافيًا عميقًا وإبداعًا مستدامًا.

    الإبداع ليس مجرد خروج عن المألوف، بل هو رحلة في ذاكرة المجتمع ومفرداته نحو آفاق جديدة.

  • بين جمال البساطة وزيف المظاهر: دروس للتظاهرات والفعاليات المنظمة بمناسبة رأس السنة الأمازيغية

    بين جمال البساطة وزيف المظاهر: دروس للتظاهرات والفعاليات المنظمة بمناسبة رأس السنة الأمازيغية

    في عالم يزداد فيه السعي نحو المثالية الشكلية، تبرز ظاهرة جديدة تعكس صراعًا بين التزيُّن الطبيعي والمبالغة في استخدام مستحضرات التجميل.

    هذا، وأصبحت هذه الظاهرة ملفتة للنظر بشكل متزايد، مما يطرح تساؤلات حول مفاهيم الجمال الحقيقية.

    المرأة المعاصرة، وهي العنصر الرئيسي في هذه القضية، تجد نفسها محاصرة بتوقعات مجتمعية تُملي عليها أن تظهر بأبهى حُلَّة، حتى وإن كان ذلك على حساب جمالها الطبيعي.

    في حين أن مستحضرات التجميل وُجدت لتعزيز الملامح وإبراز الجمال، إلا أن الإفراط في استخدامها غالبًا ما يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث تُخفي هذه الزينة المفرطة جوهر الفرد وشخصيته الحقيقية. هذه الظاهرة ليست مجرد قضية شخصية، بل تتسع لتشمل المجتمع ككل، مما يجعلها موضوعًا يستحق النقاش.

    وعند إسقاط هذه الظاهرة على التظاهرات والمهرجانات، يظهر جليًا كيف تؤدي المبالغة في الزينة والتركيز على المظاهر الخارجية إلى نتائج مشابهة.

    في هذه الفعاليات، تسعى الجهات المنظمة إلى إبهار الحضور عبر مظاهر مبالغ فيها من الزينة والإضاءة والديكورات الفخمة. ورغم النوايا الحسنة وراء هذه الجهود، إلا أن النتيجة قد تكون معاكسة؛ إذ تُفقد هذه الفعاليات رونقها الأصيل وروحها الحقيقية التي تجعلها قريبة من الناس. تمامًا كما قد تُفقد المرأة جمالها الطبيعي بسبب الإفراط في التزيُّن، تفقد التظاهرات جوهرها وقيمتها عندما تُطغى الزخرفة على المضمون.

    إن السبب وراء هذه الظاهرة قد يعود إلى الضغط الاجتماعي والإعلامي الذي يعزز مفهومًا مشوَّهًا للجمال، مبنيًا على المظاهر بدلاً من القيم الجوهرية.

    هذا الضغط يدفع الجهات المنظمة للحدث إلى السعي وراء الكمال الشكلي، خوفًا من النقد أو الرغبة في الحصول على القبول.

    ولكن كيف يمكن مواجهة هذه الظاهرة؟

    الحل يكمن في التوعية بقيمة البساطة والجمال الطبيعي، سواء في حياة الأفراد أو في تنظيم الفعاليات.

    يمكن تحقيق ذلك عبر حملات إعلامية تُبرز أهمية الأصالة والتلقائية، وتُشجع على تقديم فعاليات تُركِّز على الجوهر والمحتوى بدلاً من الزخارف السطحية، يجب أيضًا تعزيز مفهوم أن الجمال الحقيقي لا يرتبط بالزينة الخارجية فقط، بل ينبع من القيم الإنسانية والمضمون.

    هذا، وقد يكون الوقت قد حان لإعادة صياغة مفاهيمنا عن الجمال، سواء على المستوى الشخصي أو في تنظيم الفعاليات.

    عندما نُقدِّر البساطة ونتبناها كقيمة، سنجد أنفسنا أمام مشهد أكثر صدقًا وإنسانية، سواء في حياتنا الشخصية أو في ثقافاتنا العامة. وهكذا، يمكننا أن نستعيد رونق الجمال الحقيقي الذي لا يُبهت مهما مرَّ عليه الزمن.

  • أكاديميون وصحفيون بلا أثر: نجومية الكلام وصمت الإنتاج!

    أكاديميون وصحفيون بلا أثر: نجومية الكلام وصمت الإنتاج!

    في زمنٍ يشهد فيه العالم الرقمي طفراتٍ هائلة في النشر والإبداع، يصبح من المعيب أن تجد أكاديميًا يحمل شهادة الدكتوراه، يتصدر المشهد بتحليلاته السياسية، وآرائه الاقتصادية، ومداخلاته في كل صغيرة وكبيرة، لكنه عند البحث عن إنتاجه العلمي أو الفكري، تتبدد كل التوقعات. تفتش في رفوف المكتبات، فلا تجد له كتابًا واحدًا. تبحث عن دراسة موثقة تحمل اسمه، فتعود بخيبة أمل. إنه أكاديمي بـ”اللقب”، لكنه بلا بصمة معرفية حقيقية.

    هذا النموذج أشبه بفنان شعبي كثير الظهور في الأعراس والمهرجانات، يتنقل بين الحفلات، لكنه لم يصدر يومًا ألبومًا فنيًا يحمل اسمه، أو يقدم إنتاجًا موسيقيًا يُخلده. حضوره يملأ الفراغ، لكنه لا يضيف شيئًا للذاكرة. وهكذا الحال مع أكاديمي أو صحفي يكتفي بالتنظير والتدوين، دون أن يُثري المكتبة أو يُساهم في رفد الفكر بدراسات أو مؤلفات تُثري النقاش وتُخلّد أثره.

    في عصر المعرفة الرقمية، بات غياب الإنتاج العلمي أو الفكري خيانةً لمكانة الأكاديمي أو الصحفي. لأن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أصبح من السهل الوصول إلى المعلومات، لكن التحدي يكمن في تقديم محتوى موثوق، جديد، ومُعمق. وهنا تتجلى الفوارق بين “المنشّطين” الذين يجيدون إثارة الجدل، وبين “المنتجين” الذين يتركون أثرًا دائمًا عبر مؤلفات ودراسات تُشكل مرجعًا للأجيال القادمة.

    الأكاديمي الحقيقي ليس من يتحدث كثيرًا أو يظهر في كل منصة، بل من يترك إرثًا معرفيًا يُستند إليه. إنتاجه يُغني المكتبة، وأفكاره تعبر الحدود الزمنية والجغرافية. أما من يفتقر إلى هذا الإنتاج، فهو مجرد متحدث، يُكثر من الظهور، لكنه يبقى خالي الوفاض من أي قيمة تضيف إلى المعرفة الإنسانية.

    إن غياب الإنتاج الحقيقي لا يُسقط فقط من مكانة الأكاديمي أو الصحفي، بل يكشف ضعفًا في الالتزام برسالة العلم والإعلام. فالمجتمعات لا ترتقي بمن يُحدث ضجيجًا، بل بمن يُنتج معرفةً تُغير الواقع. لذلك، فإن كان الأكاديمي أو الصحفي مجرد مُنظر دون إنتاج، فهو يضع نفسه في خانة المنشّطين العابرين الذين لا يُذكرون في صفحات التاريخ. الإنتاج هو معيار القيمة، والصمت عن الإسهام الحقيقي عيب لا يغتفر في زمنٍ أتاح للجميع أدوات الإبداع والنشر. فالتحدي اليوم ليس في الظهور، بل في ترك بصمة تُحدث الفرق وتُحقق التأثير

  • حينما يعترف الجزائريون: لسنا مراركة… لأننا لا نستطيع أن نكون مثلهم!

    حينما يعترف الجزائريون: لسنا مراركة… لأننا لا نستطيع أن نكون مثلهم!

    “قولوا لفرنسا ما راناش مراركة”، شعار رفعه الجزائري “دوالمين”، ربما دون أن يدرك أبعاده الحقيقية. نعم، أنتم لستم مراركة، وهذه حقيقة لا تحتاج إلى جدال. المغاربة، أو “المراركة” كما يُطلق عليهم في بعض الأوساط، أمة عريقة تحمل إرثًا غنيًا من القيم والتقاليد التي تعزز احترام القانون والتعايش المشترك، سواء داخل وطنهم أو خارجه.

    المغاربة عرفوا عبر التاريخ بقدرتهم على التكيف مع القوانين واحترامها في أي بلد يعيشون فيه، سواء كانوا مقيمين أو زوارًا. في فرنسا، تجد المغاربة نموذجًا للاندماج الإيجابي، حيث يحترمون القوانين والعادات دون أن يتخلوا عن هويتهم وثقافتهم. هذا السلوك ينبع من قناعة عميقة بأن الاحترام المتبادل هو أساس التعايش، وأن التزام القوانين ليس خيارًا بل واجبًا أخلاقيًا.

    ما يميز المغاربة أيضًا هو قدرتهم على تجاوز الأحقاد والضغائن، والتعامل مع الجميع على قدم المساواة، بغض النظر عن العرق أو اللون أو الانتماء. المغرب كان دائمًا نموذجًا للتعايش بين الأعراق والديانات، حيث عاش المسلمون واليهود والمسيحيون معًا في سلام على مدى قرون. هذا التاريخ المشترك شكل وعيًا جماعيًا يرفض الكراهية ويؤمن بالحوار وسيلة لحل الخلافات.

    عندما يرفع “دوالمين” شعاره، يبدو وكأنه يعترف ضمنيًا بأن “المراركة” يمثلون نموذجًا مختلفًا وأفضل، حتى وإن كان ذلك بأسلوب يحمل في طياته تهكمًا. لكن الحقيقة أن المغاربة لا يحتاجون إلى شعارات للدفاع عن قيمهم أو للتأكيد على أخلاقهم. هذه القيم تتجلى في سلوكهم اليومي وفي تعاملهم مع الآخرين، سواء كانوا مواطنين أم مهاجرين.

    المغاربة لا يحملون شعارات تفرق أو تؤجج الصراعات، بل يؤمنون بالعيش المشترك وبناء الجسور بدل الحواجز. إذا كان البعض لا يستطيع فهم هذه القيم أو الوصول إلى مستواها، فإن الأمر لا يعود إلى “المراركة”، بل إلى من يفتقدون تلك المبادئ في حياتهم.

    شعار “قولوا لفرنسا ما راناش مراركة” قد يحمل حقيقة واحدة فقط… أنكم لستم كذلك، لأن قيم التسامح والاحترام والحوار ليست مجرد شعارات عند المغاربة، بل أسلوب حياة. ربما حان الوقت لبعض الشعوب أن تتخلى عن الأحقاد والشعارات الجوفاء، وتنظر بعين الإنصاف إلى من سبقوها في مضمار الحضارة والتعايش.

  • التفاهة الراقية: حين تُزيَّن السطحية بثوب العمق الزائف

    التفاهة الراقية: حين تُزيَّن السطحية بثوب العمق الزائف

    التفاهة الراقية هي واحدة من الظواهر التي تتسلل بصمت، دون صخب، لكنها تترك أثرًا عميقًا في نسيج المجتمعات. هي ليست التفاهة التي يُلام عليها المواطن البسيط أو منابر الإعلام الشعبي، بل هي تفاهة تتسلح بثوب أنيق من الكلمات المنمقة والأفكار المغلفة بعمق زائف.

    أصحابها ليسوا أفرادًا عاديين، بل صحفيون، كتاب، ومفكرون يتقنون فن التلون، كالحرباء، وفقًا للامتيازات التي يحصلون عليها، فيتحولون من مناضلين ضد الفساد إلى مدافعين شرسين عنه بمجرد أن تُلقى أمامهم العظمة.

    هؤلاء المتلونون بارعون في تقديم التفاهة على أنها رؤية متجددة أو تحليلات عميقة. يتحدثون عن القيم والشفافية، بينما يُدارون حقيقتهم خلف الأبواب المغلقة.

    صحفي يكتب عن محاربة الفساد، ثم تملأ إعلانات الجهات المفسدة صفحات جريدته. كاتب يدّعي الحياد الفكري، لكنه لا يفوت فرصة توقيع عقود مربحة مع جهات حكومية، ليصبح بوقًا لها. مثقف يخطب عن العدالة الاجتماعية، لكنه يعيش حياة من الترف الفاحش الذي يناقض كل ما يدّعيه.

    في عالم التفاهة الراقية، السطحية تتخذ أشكالًا معقدة، والأقنعة تُرتدى ببراعة. هناك من يتحدث عن الوطنية وهو يضع أمواله في بنوك أجنبية، ومن يكتب عن حقوق الإنسان بينما يمضي عطلاته في أحضان أصحاب النفوذ.

    التفاهة الراقية ليست مجرد تسلية أو نزوة، بل هي خيانة مزدوجة للحقيقة وللجمهور الذي لا يزال يؤمن بأن الكلمة المكتوبة يمكن أن تحمل شيئًا من النزاهة.

    إذا كان المواطن البسيط يُلام على سطحية اختياراته في المحتوى الذي يستهلكه، فماذا نقول عن أولئك الذين يصنعون هذه السطحية الراقية؟ التفاهة ليست عفوية هنا؛ بل هي منتج مدروس بعناية، يُباع تحت غطاء الفهم العميق والتحليل الرصين.

    وما يزيد من خطورتها أنها تُمارَس من قبل أولئك الذين يمتلكون التأثير والقوة لتحريك الرأي العام وتشكيل الوعي.

    لقد آن الأوان للتوقف عن لوم الحائط القصير، ورفع مستوى النقاش إلى من يديرون هذه اللعبة الكبيرة. التفاهة الراقية ليست مجرد تسلية، بل هي نظام قائم على التلون، الخداع، واستغلال النفوذ.

     وإذا كنا نطمح إلى مجتمعات أكثر وعيًا، فإن المعركة ضد التفاهة تبدأ من فضح أولئك الذين يُلبسونها ثوب الرقي، ويقدمونها لنا على أنها الحقيقة المطلقة.

  • بودكاست “كلام في السياسة”: نافذة جديدة للعمل الصحفي الجاد وسط ضجيج التفاهة

    بودكاست “كلام في السياسة”: نافذة جديدة للعمل الصحفي الجاد وسط ضجيج التفاهة

    في ظل طوفان المحتوى السطحي الذي غزا منصات التواصل الاجتماعي، ظهر بودكاست “كلام في السياسة” لتوفيق بوعشرين كنسمة أمل تعيد للأذهان دور الصحافة الجادة في التوعية والتنوير. فمنذ إطلاقه، حقق هذا البرنامج أرقامًا لافتة على منصة اليوتيوب، ليؤكد تعطش المتابعين لمحتوى يلامس قضاياهم بموضوعية وجدية بعيدًا عن الإثارة الرخيصة والتفاهة المهيمنة.

    لم يكن النجاح الذي حققه “كلام في السياسة” مجرد صدفة، بل جاء نتيجة محتوى مدروس يطرح قضايا تمس المواطن المغربي بشكل مباشر. الأرقام التي حققتها الحلقات الأولى من البودكاست على يوتيوب تتحدث عن نفسها، حيث وصلت نسبة المشاهدات إلى مستويات مرتفعة، مع تفاعل كبير في التعليقات والمشاركات. هذا النجاح يشير إلى تحول نسبي في اهتمامات الجمهور، الذي يبدو أنه بدأ يبحث عن محتوى ينير العقول ويثير النقاشات الهادفة.

    هذا، ويمتاز بودكاست بوعشرين بتركيزه على قضايا سياسية واجتماعية تهم المواطن المغربي، من قبيل دور الأحزاب السياسية في الحياة العامة، وعلاقة المواطن بالسلطة، والمشاكل الاقتصادية التي تواجه الفئات المتوسطة والفقيرة. هذه المواضيع لم تأتِ بمعزل عن واقع الشارع المغربي، بل كانت انعكاسًا لهموم المواطن اليومية.

    التفاعل الكبير مع بودكاست “كلام في السياسة” يثير سؤالًا جوهريًا: هل نحن بصدد بداية تحول اجتماعي نحو وعي أكبر بالقضايا الجادة؟ يبدو أن هناك شرائح من المجتمع بدأت تدرك الحاجة إلى محتوى يبتعد عن السطحية ويسلط الضوء على القضايا المحورية. هذا التحول قد يكون مؤشرًا على نضج نسبي في أوساط المتابعين، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي جعلت المواطن أكثر حاجة لفهم واقعه بدل الهروب منه عبر التفاهة.

    وعلى الرغم من إشراقات مثل بودكاست بوعشرين، فإن التحديات ما زالت قائمة أمام الصحافة الجادة. المحتوى الهادف غالبًا ما يجد نفسه محاصرًا بين عائق التمويل وغياب الدعم، في وقت تتصدر فيه التفاهة عناوين منصات التواصل الاجتماعي بسبب سهولة الانتشار وقلة التكلفة.

    و يبقى “كلام في السياسة” نموذجًا حيًا لقدرة الصحافة الجادة على تحقيق صدى واسع حتى وسط بيئة إعلامية متخمة بالمحتوى التافه. ربما تكون هذه المبادرة بداية لمرحلة جديدة من الوعي الاجتماعي، حيث يعود المواطن المغربي للبحث عن الحقيقة وتحليل الواقع بدل الوقوع في فخ الإثارة الزائفة.

    هذا التحول يتطلب دعمًا أكبر للمبادرات الإعلامية الهادفة، وتشجيعًا للإعلاميين الذين يختارون طريق الجودة على حساب الكم. فالمجتمع بحاجة إلى أصوات عاقلة، تقوده نحو مستقبل أكثر وعيًا وإدراكًا.

    عبدالله بن عيسى – أكادير24

Exit mobile version