الوسم: ابن سينا

  • فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -15- .. ابن سينا وتطور طرق تشخيص المرض

    فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -15- .. ابن سينا وتطور طرق تشخيص المرض

    أكادير24 | Agadir24

    فتحت أعمال ابن سينا في التشخيص الطبي، الباب واسعا لتطور الطرق الطبية في التشخيص وكيفية العلاج. فبعد ترجمة كتب ابن سينا، وخاصة كتابه الشهير “القانون في الطب”، وكتُب الكثير من الأطباء في العصر الإسلامي، بدأت تظهر في العالم طُرق جديدة في التعامل مع الطب كعلم قائم بذاته يهتم بصحة الإنسان عموما. ففي سنة 1761، تمكن الطبيب النمساوي -أوينبرغر- من ابتكار طريقة القرع (Percussion) في تشخيص المرض. وتقوم هذه الطريقة السهلة والناجعة، على معرفة الحالة الصحية لبعض أجزاء الجسم، استنادا إلى الصوت الناتج عن ضرب هذه الأعضاء من الخارج باستعمال الأصابع. هذه الطريقة تمكَّن طبيب نابوليون من تطويرها وإتقانها، فأصبحت معتمدة في التشخيص وتُستعمل حتى في وقتنا الراهن من طرف الأطباء.

    في العصر الإسلامي، كان تشخيص المرض يعتمد بالضرورة على وضع الأذن على صدر المريض والانصات لدقات القلب (L’auscultation). وتعود فكرة وضع الأذن للإنصات لدقات القلب إلى الفيلسوف اليوناني أبُقراط. وقد تطورت هذه الطريقة في عهد ابن النفيس بعد اكتشافه للدورة الدموية. كانت العملية تتم بسماع دقات القلب مباشرة عبر الأذن، إلى أن استطاع الفرنسي -روني لاينيك- باختراع سماعة الطبيب (Stéthoscope) في بداية القرن 19. كانت أول سماعة مصنوعة من ورق ملفوف، ثم تم تطويرها باستبدال الورق بأسطوانة من الخشب في سنة 1815، وكانت سماعة تتطلب استعمال أذن واحدة فقط. عرفت سماعة الطبيب تطورات مختلفة إلى أن قام الأمريكي -كامان- باختراع سماعة كما هي موجودة في وقتنا الراهن، تتطلب استعمال الأذنين في آن واحد. وهي السماعة التي ما زالت تُستعمل في عصرنا الحالي. وفي سنة 1980 طرح الأمريكيان -كروم- و-بون- السماعة الالكترونية.

    كانت عملية التوليد من بين الاهتمامات الكبرى للطب عبر العصور. وقد اهتم العلماء في العصر الإسلامي بالولادات وتمكنوا من تطوير طرق طبية ساهمت في الحد من الوفيات المرتبطة بالولادة سواء المرأة الحامل أو الجنين. ويُعتبر اختراع جهاز الموجات فوق الصوتية (Echographie) حدثا فارقا في تاريخ الإنسانية، لأنه ساهم بشكل كبير في تحسين ظروف وشروط الولادة. هذا الجهاز لم يكن في البداية يُستعمل في مراقبة حمل المرأة، ففي 1955 كان الطبيب الأمريكي -ليسكيل- يستعمله في مراقبة صحة القلب. وفي 1956 قام البريطاني -جون دونالد- بإجراء أول فحص بالموجات فوق الصوتية على امرأة حامل. كانت تلك أول عملية “إيكوغرافي” ينظر من خلالها الطبيب للجنين في بطن أمه. ومنذ 1978 تم تعميم هذه التقنية التي أصبحت تمكننا من معرفة جنس الجنين منذ الأسبوع الثامن، كما تُمكِّن الأطباء من التشخيص المبكر للتشوهات المحتملة وعلاجها في الوقت المناسب.

    قد تبدو لنا التطورات الكبيرة التي عرفها التشخيص الطبي في عصرنا، أمرا مألوفا وجاء نتيجة الأبحاث والاكتشافات والاختراعات. لكن كل ذلك ساهمت فيه البشرية عبر مختلف الحقب الزمنية. وفي هذا المجال، ساهمت الحقبة اليونانية بقدر بسيط في هذا التطور، وكان العصر الإسلامي نقطة دفع كبيرة للتشخيص في مجال الطب، استفاد منها كثيرا عصر النهضة في أوروبا، ثم ازدهر الطب إلى أن وصل الواقع الذي نعيشه في عصرنا الحالي.

        سعيد الغماز

     

     

  • فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -14- .. ابن سينا مبتكر الفحص الإكلينيكي الطبي

    فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -14- .. ابن سينا مبتكر الفحص الإكلينيكي الطبي

    أكادير24 | Agadir24

    استهواه علم الطب منذ صغره، وتمكن من وضع أسس علمية للطب التجريبي، واخترع كثيرا من الأدوية من الأعشاب وغيرها. كان يقوم بتجريب الأدوية أولا على الحيوانات، وحين يتوصل إلى أنها أثبتت فعاليتها، وتأثيرها على المرض عند الحيوانات، يقوم بتجريبها على الإنسان ويدون تأثيرها على الأمراض المختلفة. وبذلك يكون ابن سينا أول من وضع هذا النظام في العالم. كان حريصا على الكشف والفحص الطبي لجسم الإنسان منذ القرن 11، وهي الطريقة المعروفة في وقتنا الراهن بالفحص الإكلينيكي.

    لقد شكل كتاب ابن سيا “القانون في الطب” ذروة المعرفة الطبية في عصره. تحدث فيه عن التشريح والجراحة والأدوية، وهي المعارف الطبية التي ظلت سارية لعقود، واستفاد منها الأطباء في عصر النهضة التي عرفتها أوروبا. كان ابن سينا يستخدم بعض الأعشاب كالخزامى مثلا لمقاومة بعض الأمراض المرتبطة بالباكتيريا رغم عدم علم أطباء عصره بالباكتيريا. وما زالت الأعشاب التي وصفها ابن سينا في كتابه “القانون في الطب” تُستعمل في عصرنا الحالي، كما أنها تشكل مرجعا في الكثير من العلاجات.

    قوة ابن سينا الطبية تكمن في تدوينه لكل الحالات المرضية وتفصيل تشخيص المرض، وهو ما جعله يتفوق في تشخيص مرض الصَّرَع وهبوط ضغط الدم المفاجئ، ويُعتبر أول من اكتشف الطفيلية المعروفة بالدودة المستديرة. شخَّص كذلك ابن سينا الحزام الناري أو “النار الفارسية”. وقمة ابتكار ابن سينا هو أنه أول من شخَّص الفرق بين المَغَص المَعَوي والمَغَص الكَلَوي. كما أنه أول من أعطى تشخيصا دقيقا عن التهاب الأضلاع والالتهاب الرئوي، فضلا عن كونه أول من أجرى عملية فتح القناة الدمعية في العين باستعمال مسمار رفيع ومعقم.

    كان ابن سينا أحد أهم الظواهر الفكرية، لَخَّص عبقريته الطبية في كتابه “القانون في الطب” الذي فصله إلى خمسة أجزاء، وكان مرجعا أساسيا في كل جامعات أوروبا حتى القرن 18. في الجزء الأول تحدث عن الطب الكُلِّي وحدوده وأبعاده وفصَّل فيه أنواع العظام والأمراض. تحدث في الجزء الثاني عن الأدوية وتطرق فيه لتفسير الدواء وتحديد مفعوله وتأثيره. في الجزء الثالث تحدث ابن سينا عن الأمراض بعينها وكل الأمراض التي اكتشفها من الرأس حتى أخمص القدمين. الجزء الرابع خصصه لبعض الأمراض مثل الجُذام والأورام والكسور وأنواعها مع كيفية جبرها. وفي الجزء الخامس والأخير تحدث عن الأدوية المركبة. ولتيسير فهم كتابه من طرف طلابه، لخَّص ابن سينا تلك المعارف الطبية في أبيات شعرية اشتهرت بأُرجوزة الطب لابن سينا تبلغ 1329 بيتا شعريا. وبذلك يكون ابن سينا أول من استعمل الأداة الشعرية في تدريس العلوم الطبية.

    لتقريب القارئ الكريم من أُرجوزة الطب هذه، وتبيانا لقيمتها العلمية والبلاغية، نستعرض بالتفسير بعض الأبيات من قصيدته. في البيت الأول يعرض الهدف من قصيدته الشعرية حيث جاء فيه:

    أَبْدَأُ بِاسْمِ اللهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ فِي نَظْمٍ حَسَنْ       أَذْكُرُ مَا جَرَّبْتُ عَلَى طُولِ الزَّمَنْ

    ثم عرض أبياتا يفسر فيها معنى الطب وأقسامه استهلها بالأبيات الشعرية:

    الطِّبُّ حِفْظُ صِحَّةٍ بُرْءٌ مَرَضْ         مِنْ سَبَبٍ فِي بَدَنٍ مُنْذُ عَرَضْ

    قِسْمَتُهُ الأُولَى بِعِلْمٍ وَعَمَلْ               وَالعِلْمُ فِي ثَلاَثَةٍ قَدْ اِكْتَمَلْ

    سَبْعُ طَبِيعَاتٍ مِنْ الأُمُورِ               وَسِتَّةٌ وَكُلُّهَا ضَرُورِي

    ثُمَّ ثَلاَثٌ سُطِّرَتْ فِي الكُتُبْ            مِنْ عَرَضٍ وَمَرَضٍ وَسَبَبْ

     

    في البيت الثاني يقسم ابن سينا الطب إلى قسمين: الطب العلمي النظري، والطب العملي التطبيقي. ثم يشرح الثلاثة أمور التي يكتمل بها الطب وهي: الطبيعات السبع (سيفسرها الطبيب الشاعر في أبيات لاحقة ويحددها في: الأركان والمزاج والأخلاط والأعضاء والأرواح والقوى والأفعال)، والستة الضرورية وهي: تأثير الهواء والشمس، المأكل والمشرب، النوم واليقظة، الحركة والسكون، الاستفراغ والاحتقان، الغضب والفزع (كلها يفسرها ابن سينا في أبيات شعرية). والأمر الثالث الذي يكتمل به علم الطب فهو ما وصفه بالثلاثة التي سُطِّرت في الكتب وهي: المرض وأعراضه وأسبابه.

    ثم يضيف ابن سينا الأبيات التالية:

    وَعَمَلُ الطِّبِّ عَلَى ضَرْبَيْنِ             فَوَاحِدٌ يَعْمَلُ بِاليَدَيْنِ

    وَغَيْرُهُ يَعْمَلُ بِالدَّوَاءِ                    وَمَا يُقَدَّرُ بِالغَذَاءِ

     

    في هذين البيتين يحدد ابن سينا طبيعة تدخل الطبيب وهي في حالتين: حالة التدخل الجراحي وهو ما وصفه بالعمل باليدين، وحالة العلاج بالدواء أو الغذاء. وهو التقسيم الطبي الذي ما زال معمولا به في عصرنا الحالي.

    لم يكتف ابن سينا في تأليف أحد أهم الكتب في الطب الذي ظل ملهما للأطباء لعقود، بل ما زال مرجعا في عصرنا الحالي في مجال الأعشاب واستعمالاتها. إننا بحق أمام موسوعة طبية وبلاغية وفلسفية قلَّ نظيرها في جميع العصور. وهي القيمة التي جعلته يُلقب بالمعلم الثالث بعد أرسطو والفارابي، وأمير الأطباء وأرسطو الإسلام.

          سعيد الغماز

     

     

Exit mobile version