نكتة الكان 2025 : مأزق إعلامي يخشى الضوء

أكادير الرياضي

بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

لم تكن كأس أمم إفريقيا 2025 مجرد تظاهرة رياضية عابرة، بل تحولت – دون تخطيط – إلى اختبار حقيقي لخطاب إعلامي ظلّ لسنوات يشتغل خارج منطق الواقع. فبينما جاءت الجماهير لتشجيع منتخباتها، حمل بعض المشجّعين هواتفهم، ووثّقوا يومياتهم البسيطة، ليجد إعلام رسمي نفسه فجأة في موقف دفاعي غير مسبوق.
فخلال أيام البطولة، تداولت منصات التواصل الاجتماعي مقاطع صوّرها مشجّعون جزائريون يتجولون في شوارع المغرب، في أحياء معروفة بالحركة والحياة، يوثّقون المقاهي، الأنوار، التفاعل الإنساني العفوي، دون توجيه أو إعداد مسبق. صور عادية في ظاهرها، لكنها كانت كافية لنسف سردية إعلامية طالما قدّمت المغرب في صورة مغايرة تمامًا.
من الشارع المضيء إلى الزاوية المعتمة
أمام هذا التدفق غير المتحكم فيه للصور، بدا الارتباك واضحًا في تقارير بعض مراسلي قناة «تلفزيونهم الرسمي»، الذين وجدوا أنفسهم في سباق غير متكافئ مع الواقع. فبدل نقل المشهد كما هو، اختار أحد المراسلين الابتعاد عن الأماكن الحيوية، والتوجه إلى منطقة مظلمة، بل وصل الأمر إلى مواصلة البث في الظلام، في محاولة واضحة لتفادي أي صورة قد تُكذّب الرواية المسبقة.
مشهد بدا أقرب إلى الكوميديا السوداء: مراسل يبحث عن العتمة لا لغياب الكهرباء، بل خوفًا من الحقيقة. وكأن الإضاءة أصبحت خطرًا مهنيًا، وكأن الحياة اليومية، حين تُعرض بلا مونتاج، تتحول إلى تهديد.
أزمة صورة لا أزمة واقع
القضية هنا لا تتعلق بخطأ مهني عابر، بل تكشف عن أزمة أعمق: إعلام اعتاد الاشتغال داخل سردية مغلقة، يجد نفسه عاجزًا أمام الصورة الحرة. فالمشكلة لم تكن في المغرب ولا في التنظيم ولا في الأمن، بل في كاميرا لا تستطيع نقل الواقع إلا بعد تصفيته، وفي خطاب لا يشعر بالراحة إلا حين تُقصى التفاصيل المزعجة.
المفارقة أن ما وُصف ضمنيًا بـ“الفضيحة” لم يصدر عن قناة أجنبية أو تقرير دولي، بل عن مشجّع بسيط جاء لمتابعة مباراة كرة قدم، فتح هاتفه، وصوّر ما يراه، دون قصد، ودون نية سياسية. هكذا، تحوّل المواطن العادي إلى مراسل غير معلن، وأسقط بخفة رواية بُنيت بعناية لسنوات.
الكان… مرآة لا مؤامرة
أثبتت الكان 2025 أن البطولات الكبرى لم تعد تُدار فقط في الملاعب، بل أيضًا في الفضاء الرقمي، حيث لا تخضع الصورة لرقابة ولا لتوجيه. وأن الإعلام الذي يصرّ على تجاهل الواقع، سيجده في النهاية يطارده من جيوب الناس.
في المحصلة، لم تفضح هذه الواقعة بلدًا، بقدر ما كشفت مأزق خطاب، وإعلام لا يستطيع العيش إلا بعيدًا عن الناس، ولا يتحرك إلا حين تُطفأ الأنوار. لقد كانت الكاميرا البسيطة، والشارع العادي، والحياة اليومية، أقسى من أي خطاب سياسي.
وهنا تكمن المفارقة الكبرى:
لم يكن الخطر في الصورة…
بل في الحقيقة التي لم يعد ممكنًا إخفاؤها.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً