كأس العرب بين الرياضة وصراع النفوذ: عندما خدم الحدث ما كان يُراد إضعافه

أكادير الرياضي

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

لم تكن كأس العرب 2025 مجرد بطولة كروية عابرة في رزنامة الاتحاد الدولي، بل تحولت بحكم السياق السياسي والإعلامي الذي رافقها إلى ساحة غير معلنة لتصفية حسابات رمزية، وصراع ناعم على النفوذ الإقليمي عبر كرة القدم. فحجم الترويج غير المسبوق، والميزانيات الضخمة، والزخم الإعلامي المصاحب، يطرح أسئلة مشروعة حول الأهداف التي تجاوزت حدود المستطيل الأخضر.

  • كرة القدم كأداة قوة ناعمة

منذ مونديال 2022، بات واضحًا أن قطر تستثمر كرة القدم كأداة مركزية في بناء النفوذ الجيو-رياضي. وفي هذا الإطار، جاءت كأس العرب كامتداد استراتيجي لتكريس صورة “المركز الكروي العربي”، في توقيت حساس تزامن مع استعداد المغرب لتنظيم كأس إفريقيا للأمم، وهو الحدث القاري الأهم كرويًا بعد كأس العالم.
هذا التزامن، في نظر العديد من المتابعين، لم يكن بريئًا، خاصة مع الخطاب الإعلامي الذي رافق البطولة، والذي بدا في كثير من الأحيان وكأنه يقارن ضمنيًا وأحيانًا صراحة بين كأس العرب وكأس إفريقيا، مع ميل واضح للرفع من قيمة الأولى والتقليل من شأن الثانية.

  • صناعة السردية الإعلامية

خلال البطولة، خُصصت بلاطوهات تحليلية تمتد لساعات، أُعدت مواضيعها بعناية، ووزعت الأدوار بين محللين من جنسيات مختلفة، ما منح الخطاب طابعًا “عربيًا جامعًا”، لكنه حمل في عمقه رسائل موجهة، من بينها:

  • الترويج لفكرة أن كأس العرب أكثر تنظيمًا وقيمة من كأس إفريقيا.
  • التشكيك في نجاحات الكرة المغربية وربطها حصريًا بأبناء الجالية.
  • إثارة شبهات قديمة حول أعمار اللاعبين أو النفوذ داخل الاتحاد الإفريقي.
  • تبرئة التنظيم القطري من أي إخفاقات لوجستية، وتحميل المسؤولية للأطراف الأخرى.
    هذا النمط من الخطاب لا يمكن فصله عن تقنيات معروفة في الإقناع الإعلامي، تقوم على التكرار، وتعدد الأصوات، وبناء صور نمطية تدريجية، بهدف التأثير في الرأي العام دون مواجهة مباشرة.
  • النتائج قلبت المعادلة

غير أن ما جرى على أرض الملعب جاء عكس ما رُسم له في الاستوديوهات. خروج المنتخب القطري، البلد المنظم، من دور المجموعات، أعاد النقاش إلى جوهر اللعبة: التطور الكروي لا يُقاس بالتنظيم وحده. وفي المقابل، أكد المغرب بمنتخب أغلبه من الصف الثالث ولاعبين على مشارف الاعتزال تفوقه الرياضي، متوجًا باللقب في رسالة رمزية قوية.
كما أن خروج منتخبات عربية وازنة من الأدوار الأولى، حوّل أنظار جماهيرها سريعًا نحو كأس إفريقيا المقبلة بالمغرب، باعتبارها فرصة التعويض الحقيقية، وبالمنتخبات الأولى، لا الرديفة.
حتى الجزائر، حاملة اللقب، غادرت المنافسة مبكرًا، ما أجهض سيناريو كان سيُستثمر إعلاميًا إلى أبعد الحدود، في حال التتويج، لتعزيز بروباغندا رياضية تتجاوز البطولة نفسها.

  • دلالات أعمق من اللقب

نهائي البطولة حمل بدوره أكثر من دلالة: منتخب مغربي يواجه منتخبًا يقوده مدرب مغربي، في تأكيد جديد على تفوق مزدوج، لا يقتصر على تكوين اللاعبين، بل يمتد إلى صناعة الأطر التقنية.
أما المشاهد التنظيمية الختامية، بما فيها ارتباك التعامل مع الأحوال الجوية، فقد تحولت بعكس ما كان منتظرًا إلى عنصر يخدم التنظيم المغربي المرتقب، عبر تقديم مبررات واقعية لأي تحديات مناخية محتملة، وإسقاط خطاب المزايدة المسبقة.

  • وانقلبت النوايا على اصحابها …

ختاما ، يمكن القول إن كأس العرب، بدل أن تُضعف إشعاع كأس إفريقيا بالمغرب، ساهمت في رفع منسوب الاهتمام بها. فأنظار الجماهير العربية والإفريقية، وحتى العالمية، تتجه اليوم نحو “العرس الإفريقي”، حيث تحضر المنتخبات الأولى، والنجوم الكبار، والتاريخ الكروي العريق.
لقد تحولت البطولة، من حيث لا يُراد، إلى إعلان غير مباشر عن قوة المشروع الكروي المغربي، وعن حدود القوة الناعمة حين تصطدم بواقع الملعب.
هكذا، كانت كأس العرب هدية غير متوقعة، أكدت أن كرة القدم، مهما أُحيطت بالحسابات، تظل في النهاية لعبة نتائج… لا سرديات.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً