بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
لم يعد مستغربًا أن تتحول بعض المنابر الإعلامية إلى فضاءات لإعادة إنتاج سرديات سياسية يقوم جوهرها على خلق خصومات مُتخيَّلة، وبناء زعامات وهمية، ومحاولة تقزيم جيران تثبت الوقائع رسوخ حضورهم في إفريقيا. النص الذي نشرته “الخبر” الجزائرية تحت عنوان: ( حين تتكلم إفريقيا بصوت الكبار يصمت الصغار ) مثال واضح على ذلك، إذ يقدم رواية مشحونة بالعاطفة، تسعى إلى الانتقاص من المغرب بدلاً من تحليل الوقائع بموضوعية.
- أولاً: المغرب… دولة بعمق تاريخي سبق وجود معظم الكيانات الإفريقية الحديثة
حين يُستعمل مفهوم “الكبار” و”الصغار” في سياق سياسي، يصبح من الضروري التذكير بأن المغرب ليس دولة طارئة ولا وليدة حدود استعمارية.
فالتاريخ المغربي يمتد لأكثر من 12 قرنًا من الدولة المركزية المتواصلة، وهو من أقدم الكيانات السياسية في إفريقيا والبحر المتوسط.
المغرب دولة صنعت شرعيتها ووزنها من تراكمات حضارية، ودبلوماسية، واقتصادية، وعسكرية، لا من “شعارات” ولا من “استعراضات ظرفية”.
هذا المعطى وحده يكفي لإدراك أن المغرب ليس في موقع من يبحث عن “التشبه بالكبار” كما ادعى المقال الجزائري، بل هو أحد أبرز صانعي التاريخ السياسي للمنطقة.
- ثانياً: السياسة الإفريقية للمغرب… حضور في الميدان وليس في الخطاب
منذ العودة القوية للمغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017، أصبح الرباط شريكًا مركزيًا في ملفات عدة، وعلى رأسها:
-التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية عبر استثمارات ضخمة في غرب إفريقيا.
-تعاون أمني واستخباراتي يحظى باعتراف قاري ودولي في مكافحة الإرهاب.
-دبلوماسية دينية معتدلة عبر تكوين الأئمة ومحاربة التطرف.
-مشاريع استراتيجية كبرى مثل خط الغاز نيجيريا-المغرب، وهو واحد من أهم مشاريع الطاقة في إفريقيا.
هذه الإنجازات الميدانية تتجاوز بكثير منطق المؤتمرات والعناوين. فالمغرب لا يبني حضوره عبر “بيانات” بل عبر مبادرات ملموسة واستثمارات مؤثرة.
- ثالثاً: المؤتمر المغربي حول الإرهاب… مبادرة ضمن مسار دولي أوسع
الادعاء بأن المغرب “لا يملك تفويضًا إفريقيًا” لتنظيم مؤتمر حول الإرهاب لا يعكس فهمًا لآليات العمل الدبلوماسي.
مكافحة الإرهاب ليست حكرًا على دولة واحدة داخل القارة، بل هي ملف مشترك تدعمه الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، والتجمعات الإقليمية.
وجود ممثل أممي سواء كان بالنيابة أو بصفة دائمة يؤكد أن المؤتمر كان جزءًا من مقاربة دولية واسعة، وليس “تشويشًا” كما ادعى المقال.
كما أن التعاون الأمني المغربي مع عدد كبير من الدول الإفريقية والأوروبية معروف وموثق، وقد جنب عدة عواصم هجمات إرهابية بفضل المعلومات الاستباقية التي قدمها المغرب، وفق تصريحات رسمية لدول أوروبية.
- رابعاً: استعمال الجزائر لمفهوم “التفويض”… قراءة انتقائية للواقع
صحيح أن الجزائر تستضيف مؤتمرات مفوضة من الاتحاد الإفريقي، وهذا أمر طبيعي، لكن ذلك لا يمنحها رخصة احتكار الملفات القارية.
فالاتحاد الإفريقي ليس “ملكية” لدولة بعينها، بل فضاءً مشتركًا، وكل دولة لها الحق في تنظيم فعاليات تهم القارة ما دامت تحترم قواعد التعاون.
أما وصف مؤتمر المغرب بأنه “حدث بلا غطاء مؤسسي” فهو محاولة لخلق سردية غير واقعية، لأن:
-المغرب عضو كامل الحقوق في الاتحاد الإفريقي،
-وله حضور راسخ في المنظمات الأممية،
-ومؤتمراته يحضرها شركاء دوليون معترف بهم.
- خامساً: تضخيم حضور المسؤولين… خطاب للاستهلاك الداخلي
تحاول المادة المنشورة تصوير حضور بعض المسؤولين في الجزائر على أنه دليل “هيمنة” أو “قيادة”، بينما تجاهلت حقيقة أن:
-المشاركة الدولية في المؤتمرات لا تعني تبني مواقف الدولة المنظمة،
-والمغرب يستضيف سنوياً فعاليات يحضرها مسؤولون أمميون وأفارقة رفيعو المستوى دون اللجوء إلى المبالغات.
-العلاقات الدولية ليست مباراة استعراضية، بل هي موازين قوة حقيقية تُبنى بالاقتصاد، والاستقرار، والدبلوماسية الذكية.
- الخلاصة: المغرب لا يحتاج إلى مجابهة أحد ليؤكد مكانته
المملكة المغربية اليوم دولة ذات وزن قارّي ودولي،
-بحضور اقتصادي واسع،
-واستقرار سياسي راسخ،
-ودبلوماسية فعّالة،
-وتاريخ عريق،
-وشراكات ممتدة من أوروبا إلى الخليج إلى إفريقيا.
الانشغال بالمغرب في الإعلام الجزائري ليس دليلاً على ضعف الرباط كما يحاول البعض الإيحاء، بل هو انعكاس لقلق سياسي من توسع الحضور المغربي الطبيعي في القارة.
المغرب لا يتنافس مع الجزائر على “الأضواء”، بل يعمل ببوصلة واضحة: التنمية، الأمن، التعاون، والاحترام المتبادل.
وفي عالم السياسة الدولية، من يشتغل في المؤسسات وينجز على الأرض، لا يحتاج إلى رفع صوته… فالحقائق تتحدث عنه.


التعاليق (0)