بعيدا عن لغة التسريب، وبنود القانون، قريبا من منطق المسؤولية وفلسفة الصحافة، سنتناول واحدة من فضائح الدنيا السبع، ليس على وزن “سبعة رجال” لأن ما سمعناه من ألفاظ بعيدة كل البعد عن الوقار الواجب لأولئك الرجال، وإنما على وزن عجائب الدنيا السبع.
ما سمعناه من رعب، يفوق حتى خيال الذكاء الاصطناعي، يجعل نقاش تسريب جلسة مغلقة وموقف القانون من هذا الفعل، غير ذي جدوى. ولسنا في حاجة لإخراج سقراط من قبره وسؤاله عن الدجاجة والبيضة، هل نجرم مضمون الاجتماع أم نجرم التسريب، ومن سبق الآخر.
قليلا من الاحترام لمؤسس فلسفة الأخلاق. فالأخطر من التسريب هو موت الأخلاق في مجلس الصحافة.
إن الأجواء التي سادت الاجتماع المعلوم، تعكس فائضا من الشعور بالسلطة لدى لجنة ما تبقى من “الأخلاق”، وإحساسا بالاستعلاء على كل المؤسسات، والأخطر من كل ذلك، انعدام الشعور الإنساني، وفقدان الإحساس بالآخر. ولمن تعذر له فهم مغزى مقولة “أنا ومن بعدي الطوفان”، يُنصت لشريط الفظاعات.
هذا تسريب يهم اجتماعا واحدا فقط. ماذا لو تحدث موظفو المجلس الوطني للصحافة بكل حرية عن جميع الاجتماعات وما يدور في دهاليز مجلس اللاصحافة؟ بالتأكيد، ستكون هناك غرائب قد لا يصدقها عاقل.
إننا لسنا أمام خطأ، ولسنا أمام تجاوزات، كما أننا لم نكن ننصت لخلافات عابرة، بقدر ما كنا أمام كائنات قادمة من كوكب “زيكولا” كما قرأنا في الرواية الشهيرة أرض زيكولا للمؤلف عمرو عبد الحميد، حيث الخلاف يتم فضه بلغة القتل والاغتيال. كوكب لا يعرف الإنسانية، ولا حكم القانون، لأن قاطنيه هم لجنة فوق السلطة، لتكون الصحافة تحت السلطة. كوكب ليس فيه شيء اسمه السلطة الرابعة.
لجنة الأخلاقيات في المجلس الوطني للصحافة، هي لجنة للارتقاء بالصحافة من خلال العمل على إيجاد الحلول، ونشر ثقافة التفاهم، وفظ الخلافات بالنقاش والحوار. فالصحافة ليست “إيش إيش ” ولا دخان “تشيطين” تنفثه السيجارة الإلكترونية والسيجارة التقليدية والسيجارة العتيقة La pipe. كل أنواع السجائر حضرت الاجتماع، وغابت الأخلاق ولم نر شيئا اسمه الصحافة. إنها فعلا لجنة بدون بوصلة، تنتظر في غرفة الاحتضار، ليتم دفنها، لعل الصحافة بدفن لجنة تدبير الصحافة، تشهد عهدا جديدا، يُنسينا فظاعات شريط التسريب.
كل هذه الفظاعات، ولم نسمع عن أي إجراء. الاستقالة التي تعتبر الإجراء العادي في مثل هذه الأحداث في البلدان التي تحترم مؤسساتها، لم نسمع عنها. بل أكثر من ذلك، سمعنا عن شكايات تشتكي التسريب، وتعوض خطورة الفضيحة بأعين جاحظة. علما أنها لجنة منتهية الصلاحية، ومنتهية الشرعية بعد التسريب. ألم أقل لكم إنها لجنة تنتمي لكوكب “زيكولا”؟
نحن أمام مفترق طرق، وفيه مساران: مسار حل المجلس الوطني للصحافة وإعادة ترتيب البيت. ومسار ترتيب الجزاءات بمحاكمة أبطال الشريط. وكل “تخريجة” أخرى بما فيها محاولة تحوير النقاش اتجاه من سرب الشريط، سيجعلنا كمن يريد إخراج فيلسوف الأخلاق من قبره، وتكليفه بالبحث عن الحقيقة. لكن نخاف أن تحكم عليه لجنة أخلاقيات الصحافة بالموت من جديد، وتجرع سم اسمه “إيش إيش” في قارورة “غيز ليه” بعد إرسال un petit mot لحراس المعبد في بلد اسمه الإغريق. هكذا يمكن لسقراط أن يموت موتتين وليس موتة واحدة. إنها فعلا لجنة الصحافة من جنس الفانتازيا.
بالإمكان إدخال الإجراءات المنتظرة إلى غرفة النسيان، وبالإمكان إحلال العين الجاحظة مكان الاستقالة أو الإقالة أو حتى الطرد…لكن ليس بالإمكان إقناع الرأي العام بأنها لجنة غير أخلاقية، فاقدة للشرعية، وأعضائها وصلوا لمحطة “لجنة الأخلاقيات…نهاية السير” في ترام المجلس الوطني للصحافة. هذا “ترام” سيبقى متوقفا حتى يرجع القانون والإرادة للقيادة، مهما طال الزمن.
سعيد الغماز-كاتب وباحث


التعاليق (0)