بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
تشهد الساحة الوطنية بين الفينة والأخرى مواقف وتصريحات تتناول بشكل ملتبس موقع جهة واد نون ضمن مشروع الحكم الذاتي بالصحراء المغربية. ورغم أن هذه المواقف تبدو، ظاهرياً، مجرد قراءات فردية، فإنها تثير مخاوف مشروعة بشأن محاولات توجيه النقاش العمومي نحو إقصاء غير معلن لمنطقة شكّلت تاريخياً جزءاً عضوياً من المجال الصحراوي، ولا يمكن فصلها عنه جغرافياً أو اجتماعياً أو سياسياً.
- واد نون… مكوّن أصيل في البنية التاريخية للصحراء
تُجمع مختلف المعطيات التاريخية والأنثروبولوجية على أن واد نون ليست هامشاً جغرافياً للصحراء، بل تمثل أحد الأودية الثلاثة التي أسست للامتداد القبلي والثقافي للجنوب المغربي. وقد كان هذا الامتداد، على مدى قرون، عاملاً رئيسياً في تشكيل الهوية المشتركة للمجال الصحراوي، ما يجعل أي مقاربة تستثني الجهة من مشروع الحكم الذاتي مقاربة غير مؤسسة لا في التاريخ ولا في الواقع الميداني.
- الحكم الذاتي… رؤية وطنية لا تحتمل التجزيء
يقوم مشروع الحكم الذاتي، كما وضعته الدولة المغربية، على مبدأ جوهري يتمثل في بناء نموذج تدبير جهوي متقدم، يستوعب تنوع الخصوصيات المحلية دون إقصاء أو تفاضل. ولا يرتبط المشروع بتعويضات تاريخية أو بإرث استعمار محدد، بل بترسيخ رؤية وطنية شاملة تهدف إلى تطوير الحكامة الترابية وإنصاف كل مكونات المجال الصحراوي.
ولعل إطلاق البرنامج التنموي الموجّه للجهات الصحراوية الثلاث دفعة واحدة، يشكّل دليلاً واضحاً على أن الدولة تنظر إلى الجنوب كوحدة متكاملة لا تقبل التجتزؤ، وأن واد نون جزء أصيل من هذا الورش التنموي الاستراتيجي.
- معطيات ميدانية تعكس وحدة المجال الأمني
تفرض الوقائع الميدانية أيضاً قراءة واقعية لوحدة المصير جنوب المملكة. فالمواجهات التي استهدفت التراب الوطني في فترات سابقة لم تميز بين منطقة وأخرى، حيث طالت الاعتداءات أبناء واد نون في مواقع حدودية لا تقل خطورة عن غيرها من النقاط بالمجال الصحراوي. وهذا المعطى يؤكد أن التهديدات الأمنية مشتركة، وأن تدبيرها يجب أن يكون موحداً ومتكاملاً، تماماً كما هو حال المشروع السياسي والتنموي للحكم الذاتي.
- دور واد نون في مسار التحرير
لا يمكن تجاوز الدور المحوري الذي لعبته جهة واد نون في مسار التحرير واسترجاع السيادة الوطنية على أجزاء من الجنوب. فقد مثّل تحرير إحدى مناطقها قبل عقود محطة أساسية فتحت الباب أمام استكمال استرجاع مناطق أخرى، ما يجعل الجهة مكوناً مؤسِّساً وليس ملحقاً بباقي الأقاليم الجنوبية.
- من يستفيد من خطاب الإقصاء؟
تطرح بعض التساؤلات نفسها بإلحاح: ما الجدوى من إثارة نقاشات تقسيمية اليوم؟ ومن المستفيد من تصوير واد نون كجهة خارج نطاق الحكم الذاتي؟
إن قراءة معمقة للسياق تشير إلى أن مثل هذا الخطاب قد يخدم:
-أطرافاً تسعى لإعادة تشكيل ميزان النفوذ داخل الصحراء بما يخدم مصالحها الخاصة،
-أو جهات تراهن على خلق حساسيات محلية تُضعف التلاحم الجهوي،
-أو فاعلين يرون أن وحدة الجهات الثلاث تهدد بنية سلطتهم السياسية أو الاقتصادية.
ومهما كانت الدوافع، فإن النتيجة واحدة: إضعاف الجبهة الداخلية في منطقة حساسة، وخلق تصدعات لا تخدم المصلحة الوطنية.
- المرحلة تفرض مسؤولية جماعية
تعيش المملكة مرحلة دقيقة تتطلب تعزيز الوعي الجماعي بأهمية وحدة الجهات الثلاث، وتفادي أي خطابات أو مبادرات يمكن أن تفهم باعتبارها سعياً إلى تقليص مكانة واد نون أو إبعادها عن ورش الحكم الذاتي. كما أن النخب المحلية مطالبة بلعب دور أكثر فاعلية في الدفاع عن موقع الجهة ودورها باعتبارها مكوّناً أساسياً في معادلة الصحراء المغربية.
- خلاصة
إن محاولة إقصاء واد نون، بشكل مباشر أو ضمني، من مشروع الحكم الذاتي ليست فقط غير منسجمة مع التوجهات الوطنية، بل تتنافى مع التاريخ ومع المعطيات الميدانية ومع المنطق الاستراتيجي لتدبير الجنوب. فالصحراء المغربية تقوم على ثلاثة وديان مترابطة لا يمكن لأي مشروع أو رؤية أن يكتمل دونها أجمعين، ووحدة هذا المجال تبقى شرطاً أساسياً لضمان نجاح الحكم الذاتي واستمرار التنمية والاستقرار.


التعاليق (0)