بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
في معرض “إكسبو 2025” بمدينة أوساكا اليابانية، احتفلت الجزائر بفوزها بالميدالية الفضية عن فئة أفضل تصميم خارجي، في إنجازٍ قيل إنه “يعبّر عن الأصالة الجزائرية”.
غير أن الأصالة هذه المرة جاءت مستوردة من فاس، مغلفة بعناوين دعائية من نوع “الزليج الجزائري الأصيل”…
هكذا بكل بساطة، تحوّل التراث المغربي إلى “ابتكار وطني جزائري”، والفن العريق إلى مشروع إعادة تدوير ثقافي.
- الزليج المغربي… ضحية قابلة للتبني
الذين يعرفون فن الزليج يدركون أنه ليس مجرد زخرفة هندسية أو ألوان متناسقة، بل هو لغة مغربية خالصة، تمتد جذورها إلى قرون من الإبداع الحرفي والعمارة الإسلامية في فاس ومكناس.
لكن في الجزائر، يبدو أن هذه الحقيقة الجمالية لا تهمّ بقدر أهمية “الرمزية السياسية” التي يمكن سرقتها تحت غطاء “الاستلهام الفني”.
فبعد الطاجين والقفطان والكسكسي، جاء الدور على الزليج ليحمل الجنسية الجزائرية… ولو مؤقتًا.
- هندسة مسروقة بإتقان دبلوماسي
حسب تقارير إعلامية، لم يكتفِ الجيران بالاستلهام البصري، بل استقطبوا أكثر من 350 حرفيًا مغربيًا، عبر قنصليتهم في وجدة، لترميم قصر المشور بتلمسان وتزيين المرافق العامة، في محاولة “هادئة” لتمزيج الهوية المغربية بالحائط الجزائري.
لكن المفارقة الساخرة أن نفس الأيادي المغربية التي صنعت الزليج، تُشاهد الآن إبداعها يُتوج في اليابان تحت لافتة “صُنع في الجزائر”.
سرقة؟ ربما.
لكنها بلا شك السرقة الأكثر هندسية في التاريخ!
- الأصالة لا تُستنسخ
الزليج المغربي ليس لونًا ولا نقشة، بل فلسفة جمالية تُعبّر عن توازن روحي وإنساني نادر.
يمكنك أن تستورد الحرفيين، وأن تنسخ الأشكال، وأن تملأ الجدران بالفسيفساء…
لكن لن يمكنك استنساخ التاريخ ولا الهوية التي تراكمت عبر قرون من الإبداع المغربي المتواصل.
الأصالة ليست مسابقة ميداليات، بل ذاكرة متجذرة في المكان والإنسان.
- خاتمة
لقد فازت الجزائر بالميدالية الفضية في اليابان، لكن الذهب الحقيقي ظل في فاس.
وإذا كانت السرقة الثقافية قد أصبحت اليوم تُحتفى بها كـ”إنجاز وطني”، فربما علينا أن نترقب قريبًا مشاركة الجزائر في “إكسبو” القادم بجناح مستوحى من ساحة جامع الفنا…
تحت شعار جديد: “نور الجزائر… بنكهة مغربية!”
التعاليق (0)