بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
يُحيي المغرب اليوم الوطني للمرأة المغربية في ظل نقاش وطني متجدد حول إصلاح مدونة الأسرة وتحقيق المساواة الفعلية، غير أن هذا النقاش كثيرًا ما يتجاهل صوتًا خافتًا يأتي من القرى والجبال، حيث تقيم المرأة الريفية على هامش التنمية، بين قسوة الطبيعة وغياب العدالة المجالية.
ورغم مرور عشرين عامًا على صدور مدونة الأسرة وما رافقها من إصلاحات تشريعية، ما تزال المرأة الريفية تواجه واقعًا هشًّا يتجلى في ضعف الخدمات الصحية، وارتفاع نسب الأمية، وغياب فرص العمل اللائق. فحسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط، تفوق نسبة الأمية في صفوف النساء القرويات 45%، فيما تعمل أغلبهن في الفلاحة أو الأعمال الموسمية دون أي حماية اجتماعية.
- العمل في الظل
تُعد المرأة الريفية العمود الفقري للقطاع الفلاحي بالمغرب، إذ تساهم في الزراعة والرعي وجمع المحاصيل، لكنها نادرًا ما تُعترف بها كعاملة لها حقوق. تقول رقية، فلاحة من نواحي تاونات: “نعمل من الفجر حتى الغروب، ولا أحد يعترف بتعبنا، لا أجور مستقرة ولا تغطية صحية”.
ويؤكد نشطاء جمعويون أن معاناة المرأة الريفية تتجاوز البعد الاقتصادي، لتشمل حرمانًا مستمرًا من التعليم والخدمات الأساسية. فغياب المدارس في بعض المناطق الجبلية يدفع العديد من الأسر إلى تزويج بناتها مبكرًا، فيما تظل المراكز الصحية بعيدة وصعبة الولوج، مما يهدد حياة النساء الحوامل ويزيد من هشاشة الوضع الإنساني في القرى النائية.
- إنجازات لم تصل إلى القرى
بينما تنصبّ الجهود الحكومية والجمعوية في المدن على مناقشة إصلاح القوانين وتفعيل المساواة في المؤسسات، تبقى المرأة الريفية خارج هذه الدينامية. تقول الناشطة الحقوقية خديجة أيت باها: “القوانين ضرورية، لكن المساواة تبدأ من الميدان، من المدرسة والمستشفى والطريق”.
وترى الجمعيات النسائية أن غياب العدالة المجالية أحد أهم أسباب استمرار التفاوتات بين النساء في المدن ونظيراتهن في القرى. فبرامج التمكين الاقتصادي تظل محدودة الوصول، والتعاونيات النسائية الريفية تعاني ضعف التمويل والمواكبة التقنية، رغم ما تحمله من طاقة إنتاجية كامنة يمكن أن تساهم في التنمية المحلية.
- المساواة ليست فقط نصوصًا
وفي خضم الجدل حول مراجعة مدونة الأسرة، تؤكد فاعلات حقوقيات أن الحديث عن المساواة لا يكتمل دون إدماج واقع المرأة الريفية في السياسات العمومية. فإصلاح القانون يجب أن يترافق مع إصلاح البنية الاجتماعية والاقتصادية التي تُقصي النساء من المشاركة والتنمية.
- طريق طويل نحو الإنصاف
السنوات الأخيرة شهدت بعض المبادرات الإيجابية، مثل إطلاق برامج لتعميم التغطية الصحية الإجبارية ودعم النساء المقاولات في الوسط القروي، غير أن هذه الخطوات ما تزال محدودة التأثير، أمام حجم التحديات المرتبطة بالبنية التحتية وضعف الولوج إلى التعليم والعمل.
ويرى مراقبون أن إرساء المساواة الفعلية يمر عبر تمكين المرأة الريفية اقتصاديًا وتعليميًا، وإشراكها في صنع القرار المحلي، باعتبارها فاعلًا أساسيًا في التنمية المستدامة.
- صوت الريف في معركة المساواة
في اليوم الوطني للمرأة المغربية، تبرز الحاجة إلى توسيع النقاش ليشمل نساء القرى والجبال، اللواتي يمثلن الوجه الحقيقي للصمود والمثابرة، لكنهن أيضًا ضحايا التفاوتات البنيوية التي ما تزال تعيق تحقيق المساواة الفعلية.
فمن دون تمكين المرأة الريفية، ستظل المساواة شعارًا ناقص المعنى. والعدالة الاجتماعية لن تكتمل إلا عندما تجد نساء الأرض موطئ قدم في سياسات التنمية، واعترافًا بقيمتهن داخل المجتمع والاقتصاد.
التعاليق (0)