لا تفصلنا سوى سويعات عن مطلع فجر الأربعاء.. لأجد نفسي ما زلت واقفاً صادما وسط هذا الخراب الذي ضرب وسط المدينة بإنزكان..
لا أعود من ذهولي إلا حين تتعثرت رجلاي وسط الأحجار المفروشة وعلى طول هذا الشارع الذي بدأت ملامح جماليته وأناقة إنارته تظهر للعيان قبل أشهر فقط
ساعتان كافيتان كي يخلق هذا المنظر الرهيب خدوشا في الذاكرة لن تنسى..
على يمينك..
مقهى شهرزاد.. تلبس السواد.. وصيدلية الفقراء تتعرض للنهب والإحراق..
على يسارك
مكتب البريد أقلع بابه الحديد.. وتحت اقدامنا وثائق ومستندات المواطنين البسطاء..
بقايا الكراسي.. وتجهيزات مكاتب الموظفين من حواسيب وغيرها هي متلاشيات اللحظة..
وفي أعلى العين محلات تجارية ومقاهي لاتختلف كثيرا عن هذا المشهد الصادم المؤلم
ساعتان كانتا كافيتان كي يتحول هذا المشهد التدميري إلى واقع محسوس بعد ألفته عيناي مشهدا تلفزيا في مناطق حرب هناك.. وهناك.
هل مرّ التتار بإنزكان.. دون أن نعرف
هل يستطيع البعض بعد اليوم إقناعننا وبشتى الوسائل ان الإحتجاج عن حق يقابله تدمير حق الآخر في رزقه ومصدر معاشه
وكيف يستطيع من يصب الزيت على النار طيلة الثلاث الايام من الاحتجاجات لهذا المجهول z ان يفسر العلاقة بين شعار الحق في الشغل والصحة والتعليم يمرّ بالضرورة عبر تدمير البنيات الخدماتية وإضرام النار في الممتلكات العامة والخاصة
في خضم هذه التساؤلات المقللة أجد نفسي وبكامل الوعي الأخلاقي واقفاً على يمين وطني وبلدي ومملكتي رغم يساريتي معلنا ان الرعاع لا يبني الأوطان بل الدمار..
دون أن أجد أجوبة شافية لبعض الهواجس التي راودتني وانا أغادر ساحة الحرب والنوم سواء..
كيف غابت فكرة التجمع كما هو متداول قرب محطة الطاكسيات ومن وفود قادمة خارج المدينة دون أن يكون هناك استعدادات أمنية مكثفة تذخل ضمن أدوات تفتيت الحشد الجانح من بينها مثلا شاحنات خراطيم المياه…
كيف استطاع هؤلاء القاصرين قطع المسافة نحو وسط المدينة ساحة الحرب.. ومروا على سوق الثلاثاء
أين قوات الردع طيلة مدة احتلال المنطقة التي عاتوا فيها الفساد..
وحدهم تركوا لمدة زمنية اعتبارية الإقلاع حتى الأشجار والأبواب الحديدية.. وحرق الدراجات والسيارات..
من أين جيء بهذه الكمية من الأحجار والمنطقة معروفة ومفتوحة..
لماذا مسيرة الملثّمين وأطفال إعدادي قصار ( مقرقبين) كما حكى أحدهم وهو يصف حجم الرصاص الذي تعرضت له القوات العمومية تحت صيحات وقهقهات..
لا اشيطن الوضع.. لكني اتساءل كيف وقع كل الدمار أمام اعيننا جميعاً..
نعم للمطالب المجتمعية المشروعة..
لكن تحت سقف الوطن
غير ذلك الوطن أوّلا..
وقبل ذلك نرفض ان تتحول مدينتنا حقل تجارب ووكراً للخراب
يوسف غريب كاتب صحفي
التعاليق (0)