إصدار جديد يرصد مسار المدارس العتيقة بسوس من النشأة إلى التهديدات المعاصرة

ec136160 82ca 49cc 8e5b 6ba05363b843 مجتمع

agadir24 – أكادير24

أصدر الدكتور المهدي بن محمد السعيدي، أستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر بأكادير، كتابًا جديدًا يحمل عنوان “مدارس سوس العتيقة من الأصول التاريخية إلى مخاطر الاندثار”، ضمن سلسلة الدراسات الفكرية، عن مطبعة صوم برانت بمدينة أكادير.

يتناول هذا العمل، الذي يُعد ثمرة تتبع ميداني وفكري طويل، مسار المدارس العتيقة بمنطقة سوس، منذ بداياتها الأولى مع دخول الإسلام إلى المغرب، وصولًا إلى واقعها المعاصر الذي يشهد الكثير من التحولات والتحديات.

في فصله التمهيدي، يستعرض المؤلف الجهود التي بُذلت لإصلاح هذه المؤسسات التعليمية التقليدية بعد الاستقلال، متوقفًا عند لحظة صدور الظهير المنظم لها في مطلع الألفية الثالثة، وما أثاره من نقاشات في أوساط الفقهاء والأساتذة، خاصة أولئك الذين عايشوا مراحل التحول عن كثب.

ويتتبع الكتاب التحولات التاريخية التي عرفها التعليم الديني في سوس، من التعليم في المساجد الأولى إلى الرباطات التي انتشرت في القرن الثالث والرابع الهجري، كرد فعل على التحديات الفكرية التي فرضتها تيارات عقدية مثل الخوارج والشيعة والبورغواطيين. ويبرز المؤلف كيف واجه فقهاء المالكية هذه التيارات بإصلاحات جذرية رسخت للمدرسة المالكية كمشروع ديني وعلمي متكامل.

ويُظهر الكتاب تطور هذه المدارس في ظل أنظمة الحكم المتعاقبة، من المرابطين الذين رسخوا فقه الفروع، إلى الموحدين الذين أعادوا الاعتبار للأصول والعقيدة الأشعرية، ثم العصر المريني الذي شهد عودة قوية للفكر المالكي، قبل أن يستمر دور هذه المؤسسات في العهدين السعدي والعلوي كأدوات لحماية الهوية الدينية ومقومات الانسجام المجتمعي.

كما يتطرق الكتاب إلى الدور الاجتماعي والسياسي الذي لعبته المدارس العتيقة وعلماؤها، من خلال الفتوى، والتأليف، والمرافعة أمام السلطة، لمواجهة التحديات الداخلية والتهديدات الخارجية، والمساهمة في تحقيق الاستقرار.

وفي شق آخر، يناقش المؤلف انعكاسات المرحلة الاستعمارية على هذه المؤسسات، وكيف أضعفت حضورها في المشهد التربوي، قبل أن تتجدد الدعوات لإصلاحها عقب الاستقلال، رغم أن العديد من المبادرات بقيت دون أثر ملموس. ويرصد المؤلف نشأة المعهد الإسلامي بتارودانت، بوصفه خطوة بارزة لربط التعليم العتيق بالمسار الأكاديمي الحديث، دون أن يغفل الإشارة إلى استمرار بعض المدارس في تجاهل نداءات الإصلاح إلى أن صدر الظهير الذي منحها إطارًا قانونيًا ضمن منظومة التعليم الوطني.

ويخصص الكتاب فصولًا لعرض نماذج من المدارس العتيقة بسوس، مثل مدرسة الجامع الكبير بتارودانت، ومدرسة إداومنو بهشتوكة، ومدارس أيت براييم قرب تزنيت، وزاوية الرحمة والأمان بإقليم تارودانت، مع تحليل أساليب التدريس فيها، ومناهجها في تكوين الطلبة.

ويُختتم العمل بعرض سير لعدد من العلماء الذين تخرجوا من هذه المدارس، والذين أسهموا بدور فعّال في إصلاح المجتمع والتواصل مع السلطة، سواء عبر اللقاءات أو الرسائل، ما يعكس الأثر العميق الذي تركته هذه المؤسسات في الحياة العامة بسوس والمغرب عمومًا

التعاليق (0)

اترك تعليقاً