سوسيولوجية القرب او في الحاجة إلى العمل الاجتماعي بالمغرب
يخلد العالم، ككل سنة، اليوم العالمي للعمل الاجتماعي، والذي يصادف هذا العام يوم 15 مارس 2022، تحث شعار ” لنؤسس لعالم اقتصادي وبيئي لا يبقى فيه احد خارج المجتمع “. هذه الذكرى التي تنظم سنويا في يوم الثلاثاء الثالث من شهر مارس تتزامن هذه السنة مع ما يعيشه المجتمع البشري من حروب وما يترتب عنها من معاناة و ماسي. كما ان المناسبة تصادف لأول مرة الاعتراف الرسمي بالعامل الاجتماعي بالمصادقة على القانون رقم 45/18 عبر ظهير شريف صادر في الجريدة الرسمية تحت عدد 7010 بتاريخ شهرغشت 2021، علما ان المصادقة على هذا القانون لم تكن بالمهمة السهلة، حيث حظي مشروعه بالنقاش والسجال بين الفعاليات السياسية والبرلمانية…كما أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أبدى رأيه فيه عبر تقرير منشور تضمن قراءة لجميع جوانبه.
ولذا كان هذا يعتبر قيمة مضافة للعمل الاجتماعي، حيث أغلق الفراغ التشريع لهذه المهمة التي يمارسها اكثر من 35000 ألف ممارس في قطاعات مختلفة، فانه لم ينفذ إلى شعاب العمل الاجتماعي، لاتنظيرا ولا ممارسة، إذ لم يتجاوز المقاربة القانونية والتي لم يحسم الكثير من جوانبها بعد، علما ان العمل الاجتماعي عالمي بصفته، وله تاريخ كما له جهات عالمية تحضنه وتؤطره، مثلا الفيدرالي الدولية للعمل الاجتماعي ifsw، والجمعية الدولية لمدارس العمل الاجتماعيiassaw. هذه الجهات التي تسعى لتوحيد وجهات نظر الدول والمنظمات والعاملين في الميدان لتنمية المهمة وجودة التكوين.
وتجدر الإشارة إلى أن بعد المؤسسات الجامعية ومختبارات البحث العلمي تفطنت إلى أهمية الأخصائي الاجتماعي والنفسي، فقامت بإعداد تكوينات في هذا المجال على مستوى الإجازة والماستر. وكمثال تم فتح ماستر ” العمل الاجتماعي والتنمية ” بكلية الآداب باكادير الذي تخرج منه فوج، وباقي الأفواج في طور التكوين. كما أن كلية الآداب بمراكش احدثت ماستر ” علم النفس المدرسي ” الذي تخرج كمه ثلاث أفواج والربع في الطريق.
أكثر من هذا، نشير إلى أن وزارة التربية الوطنية خلقت منصب اطر الدعم الاجتماعي قبل سنتين، رغم ان النظام الأساسي تضمنها سنة 2003، وبقي القانون مجمدا حتى سنة 2020. ورغم أن المنتظر من هذا الملحق الاجتماعي ان يشتغل في المؤسسات المدرسية بأصنافها لدعم المضطربين اجتماعيا ونفسيا ومساعدتهم على الاندماج الايجابي في مجتمع المدرسة..، فإن عقلية الإدارة التعليمية مازالت لم تستأنس وتقنع بهذا الوافد الجديد، ومن تم مازال الخلط بين الدور الراداري والمهام الاجتماعية لهذا الملحق الاجتماعي.
ورغم حداثة تقنين العمل الاجتماعي بالمغرب، فإن ممارسته تتم تحت اسماء مختلفة، ولها ماض طويل اما داخل المؤسسات النظامية او شبه النظامية التابعة للدولة أو التعاون الوطني او قطاع الصحة او مؤسسات الرعاية الاجتماعية وحماية الطفولة، او في المجتمع المدني داخل جمعيات بطرق تطوعية.
وكيفا كان هذا العمل الاجتماعي في المغرب، فانه يعاني في ضعف التكوين وتشتت موارده وغياب تصورات علمية تؤسس للعمل الاجتماعي وذي جودة. وهذا ما يتطلب الاعتراف به ودعمه والاهتمام بالقائمين به والممارسين له، وتوفير الشروط الكفيلة بالنهوض به.
وسعيا للمساهمة في إرساء البات لهذا التخصص الذي باتت الجاجة اليه ضرورية، نقدم هذم الملاحظات:
– اعتماد سوسيولوجيا القرب، والنزول من الأبراج العافية للانحراط الواعي في هموم المجتمع وقضاياه. وهذا يستدعي من الأخصائي الاجتماعي ان ينخرط في الممارسة موظفا الزاد النظري في العلوم الإنسانية والتواصل، اي أن يواجه مشاكل الاندماج الاجتماعي بكل واقعية وبدون تكلف.
– الاستقلال عن الفهم الشائع، فهم الشارع، والرأي المشترك، بما في ذلك الاحكام المسبقة واسقاط الأحكام المتسرعة والتي تنتعش عند العوام والرعاع. فالعامل الاجتماعي مطالب بالاستقبال في الرأي واعتماد الخطاب العلمي الرصيد.
– التحرر من كل أشكال الدوغمائية والدوكسا والأراء الفارغة في النظر الى مشاكل الأفراد والجماعات، وهذا ما يجعله متصف بالسداد في التحليل، ويقربه من الموضوعية.
– ينبغي للمتدخل في العمل الاجتماعي ان لايقع في منطق الماورائيات، كاعتبارعمله من باب الشفقة او الإحسان او الرحمة بالمعنى المتعالي، لان العمل الاجتماعي هو واجب يحكمه الضمير الإنساني ويحركه حب الإنسانية والسعي لتنمية الكائن الاجتماعي وتيسير سبل اندماجه في المجتمع.
ولما كانت مهام الاخصائي الاجتماعي هي خلق جو اجتماعي صحي وسليم، عبر مساندة ومساعدة وصاحبة الأشخاص في وضعيات صعبة، فإن نجاح هذه الأمانة وتحقيق هذا الطموح يقتضي توفره على كفايات صلبة ومهارات ناعمة منها:
– التمكن من المعار ف المتعلة بالعمل الاجتماعي، وهي المعارف الاكاديمية التي نجدها في علم الاجتماع والانتروبولوجية وعلم النفس، وباقي المعارف الضرورية في العلوم الانسانية، هذه المعرف يوفرها التكوين الأساسي في المجال، ويصقلها التكوين المستمر والتعلم الذاتي وتجديد المعارف وتحيينها.
– القدرة على ترجمة المعارف النظرية إلى واقع ملموس، ومنح الحياة للعلوم الانسانية في الميدان والممارسة. هذه المعرفة العملية تتجلى في التنظيم والقدرة على التحليل وإعمال الفكر النقدي كالاستدلال والحجاج والإقناع، اضافة الي القدرة على الترتيب والتمييز في الاقوال والافعال.
– امتلاك كفاية التواصل: إن فهم الأخصائي الاجتماعي للأشخاص الذين يقابلهم تتطلب منه القدرة على التواصل الفعال، وهذا لا يتأتى إلا بامتلاك ثقافة الأدن، اي القدرة على الاستماع والاتصال للغير، لان الإنصات علاج، إذ يكتفي ان ننصت للغير حى يخفف من معاناته. ويضاف للإنصات اللسان الذي يتجلى في حسن الكلام وسلامة التعبير. ولتحقق هذه الكفاية التواصلية يلزم ان يكون الأخصائي الاجتماعي مختصرا في كلامه، منظمة في أفكاره، وان يكون كلامه على قدر الحاجة، كما يجب أن يتجنب الأخبار الكاذبة والمفتقرة إلى حجج وبراهين، وان يناسب مقاله مقامه، علما ان عماد هذا التواصل هو الابتسامة في وجه الأشخاص المقبلين على مقابلته.
أما التواصل غير اللفظي فيستدعي التواضع وتجنب العجب والتعصب والتكبروعدم الاختفاء في المكاتب، أي من المفيد إزالة الحواجز بين الزبون الاجتماعي والأخصائي الاجتماعي،
– لا ننسى أخلاقيات المهمة والالتزام بالقيم السلوك القويم في المؤسسات التي يشتغل بها الأخصائي سواء النظامي او التلقائي، إذ ان هذه الأخلاقيات تجنب الانحراف في الفعل والعمل.
– حتى يتم التوصل بطريقة سلسة، لا بد للإحصائي الاجتماعي ان يعرف مكونات الثقافة التي يعيش بين اهلها سواء الثقافة المهيمنة او الفرعية او المضادة، إذ أن معرفة التنوع الثقافي وأشكال التثاقف تيسر التواصل وتوفر للعامل الاجتماعي إمكانيات كبرى لمعالجة وضعيات باستعمال المحلي والجري والوطني في الثقافة.
هذه بعض ملامح سوسيولوجية القرب التي تعتبر خادمة للعامل الاجتماعي، وهي التي نجدها في عدة بلدان، والتي تشرف عليها الفيد الي الدولية للعمل الاجتماعي Ifsw
ولكن الأهم هو توفير شروط العمل الاجتماعي والاهتمام به، لأن هذا مدخل لا محيد عنه لباء مجتمع متوازن، يحتضن كل أفراده ويدمجهم، في إطار الدولة الاجتماعية التي يراهن عليها المغرب.
فتحية لكل عامل وعاملة اجتماعية.
تـفـروت لحسن