إن الضجة الاعلامية التي غطت ترشيح ممداني ،و فوزه الكاسح بمنصب عمدة نيويورك ، صاحبه كذلك نقاش لم ينته بعد حول نتائج فوزه محليا ودوليا.
ان بزوغ ممداني كشاب مغمور بخلفية دينية إسلامية للمنافسة على منصب عمدة نيويورك ،لم يكن في الواقع هو السبب الرئيسي في تسليط الاضواء عليه ، ولكن تبنيه لبرنامج انتخابي ،بالاهتمام بدوي الد خل المحدود ،والوعد لهم بتوفير خدمات مجانية ومعاكسة مصالح الاقلية المهيمنة على وسائل الإنتاج بتقليص هيمنتهم والوعيد بفرض ضرائب جديدة عليهم ،هو من ولد هذا الزخم وهذا التفاعل الذي لم تشهد له الولايات المتحدة الأمريكية مثلا له منذ زمن طويل.
وإذاكان حضور ممداني في المشهد السياسي الأمريكي لم يكن عفويا او اعتباطيا ،وإنما باسم الحزب الديمقراطي ذو الخلفية الاشتراكية الذي ينافس على الحكم، الحزب الجمهوري ذو الخلفية الليبرالية ، فإن الملاحظ على الخطاب الذي تبناه ممداني هو تجاوز ه للتطبيق الايديولوجي للحزب الديمقراطي .
ان ما عبر عنه ممداني عن خلفيته السياسية كونه اشتراكي ديمقراطي ،إنما يعلن عن هيمنة تيار ما يسمى أقصى اليسار في الحزب الديمقراطي ، ولعل مخالفة توجه هذا التيار للواقع الاقتصادي الأمريكي ذو النزعة الليبرالية الغير المنازع فيه ، هو ما دفع الرئيس الأمريكي ترامب الى وصف ممداني بالشيوعي .
وإذا كان لاخلاف ان الامريكيين غير مختلفين ، بغض النظر عن انتماءاتهم الطبقية في القبول بليبرالية اقتصادهم ،فإن تغول هذه الأخيرة ووحشيتها ،وما خلقت من فئة قليلة ، احتكرت لنفسها الثروة ، واستولت على القرارالسياسي وطبعت باسلوبها المنحرف كل مناحي الحياة ، جعل كثيرا من الامريكيين يمثلهم، تيار في الحزب الديمقراطي يتطلع الى خلق بديل اقتصادي يهدف فيما يهدف اليه الى الانتفاضة ضد ما بات يعرف بلليبرالية الجديدة،
ويعد ممداني زعيم هذا التيار ، الذي أعلن الحرب ضد ما سماه الاليكراشية الذي يمثل ترامب احد رموزها .
فهل التحول الذي تعيشه الولايات المتحدة الأمريكية والذي افرز ايديولوجية تعيد عقارب الساعة الى الوراء بجعل تدخل القطاع العام الى الواجهة لخلق التوازن المطلوب اقتصاديا واجتماعيا ،مؤشرا على ان نهاية نيوليبرالية كتوجه اقتصادي بات وشيكا؟ ،ام ان هذه الأخيرة ستتقوى اكثر خاصة إذا ما اقبرت تجربة عمدة نيويورك حتى قبل ان تخرج الى الوجود، او بتحريف مسارها مستغلة وجود ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية؟.
وفي انتظار ان تؤول الأمور الى الوجهة الي سيستقر عليه الحال في الولايات المتحدة الامريكية، فإن التابت من فوز خطاب ممداني المعادي لنيوليبرالية سيصل صداه الى كثير من دول العالم الذي سيدخل في موجة جديدة ستسعى الى تغيير واقع صنعته قوة المال وسار يؤرق الجميع .فما ذا تخفي الايام القادمة؟
الاستاذ اليزيد كونكا


التعاليق (0)