موسكو تفتح الباب للحكم الذاتي: نهاية رهان الجزائر في مجلس الأمن

خارج الحدود

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

في تحول دبلوماسي وُصف بأنه “زلزال سياسي” في ملف الصحراء المغربية، أعلنت روسيا الاتحادية، على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف، انفتاحها على مقترح الحكم الذاتي المغربي واعتباره “صيغة من صيغ تقرير المصير” وفق المفهوم الأممي، وهو تصريحٌ يضع حدًّا لحياد موسكو التقليدي ويفتح الباب أمام إعادة رسم موازين القوى داخل مجلس الأمن الدولي.
هذا الموقف الروسي الجديد، الذي يأتي قبل أيام فقط من جلسة مجلس الأمن المخصصة لمناقشة تطورات النزاع المفتعل ، يحمل في طيّاته تحولاً استراتيجياً غير مسبوق، قد يُعتبر بمثابة “حرق آخر ورقة” بيد الجزائر وجبهة البوليساريو اللتين ظلّتا تراهنان على الموقف الروسي كصمام أمان ضد تزايد الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي المغربية.

  • من الحياد إلى الانفتاح: لماذا تغيّرت موسكو؟

على مدى عقود، التزمت روسيا بموقف “الحياد المتوازن” تجاه نزاع الصحراء، محافظةً على علاقات ودية مع كلٍّ من المغرب والجزائر، وساعية إلى تجنب الاصطفاف الصريح خلف أي طرف.
لكن سياق التحولات الجيوسياسية العالمية، وخاصة بعد الحرب الأوكرانية والعزلة الغربية المتزايدة على موسكو، جعل الكرملين يبحث عن شركاء موثوقين ( لديهم وزن )في إفريقيا. وهنا برز المغرب كقوة إقليمية صاعدة ذات نفوذ إفريقي واسع وعلاقات متينة مع الغرب والخليج في آنٍ واحد.
وبتحليل مضمون تصريح لافروف، يتضح أن موسكو لم تعد ترى في “الاستفتاء” خياراً واقعياً، بل تعتبر أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الشكل العملي لتقرير المصير، ما يعني اعترافاً ضمنياً بأن طرح البوليساريو فقد صلاحيته السياسية والواقعية.

  • بين الواقعية والرمزية: الجزائر في الزاوية الحرجة

بالنسبة للجزائر، التي استثمرت لعقود في دعم جبهة البوليساريو ماديًا ودبلوماسيًا، فإن الموقف الروسي الجديد يمثل ضربة مزدوجة.
فهو من جهة يضعف الجبهة في المنتظم الدولي، ومن جهة ثانية يسحب من الجزائر ورقة النفوذ في مجلس الأمن، حيث كانت تعتمد على موسكو كقوة دائمة العضوية لموازنة الموقف الفرنسي والأمريكي الداعم للمغرب.
التحول الروسي سيجعل الدبلوماسية الجزائرية في موقف دفاعي، خاصة وأن خطابها الرسمي ما زال متمسكًا بخيار “تقرير المصير عبر الاستفتاء”، في وقت تتخلى فيه القوى الكبرى تباعًا عن هذا الخيار لصالح حلول “واقعية ومستدامة”.

  • نحو تحالفات جديدة في مجلس الأمن

من المنتظر أن ينعكس الموقف الروسي على دينامية التصويت والنقاش داخل مجلس الأمن، خصوصاً وأن موسكو ستتولى رئاسته نهاية أكتوبر الجاري.
وإذا ما واصلت روسيا تبني خطاب “الواقعية السياسية”، فقد نشهد اصطفافاً غير مسبوق بين القوى الكبرى (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، وحتى الصين بشكل براغماتي) حول دعم مقترح الحكم الذاتي، وهو ما يعني عزلة شبه كاملة للبوليساريو في المحافل الأممية.

  • نهاية مرحلة: ماذا بعد “احتراق الورقة الروسية”؟

ما حدث اليوم في موسكو لا يمكن اعتباره مجرد تصريح دبلوماسي عابر، بل هو مؤشر على نهاية مرحلة في النزاع المفتعل في الصحراء المغربية .
فروسيا التي كانت تمسك العصا من المنتصف، أرسلت إشارة قوية إلى أن الواقعية تغلب الشعارات، وأن الحل السياسي تحت السيادة المغربية بات المسار الوحيد الممكن.
الجزائر والبوليساريو، اللتان فقدتا تباعًا دعم باريس ومدريد وبرلين، ثم حياد واشنطن الإيجابي لصالح المغرب، تجدان نفسيهما الآن أمام حقيقة جيوسياسية جديدة:
العالم يسير في اتجاه الاعتراف بمغربية الصحراء، والحكم الذاتي لم يعد مجرد مقترح، بل صار الإطار العملي لتقرير المصير نفسه.

  • خلاصة

تحول موسكو هو أكثر من مجرد موقف دبلوماسي؛ إنه صفعة استراتيجية للنظام الجزائري الذي ظل يوظف ملف الصحراء كورقة نفوذ إقليمي، وهو كذلك انتصار ديبلوماسي جديد للمغرب الذي نجح في كسب واحدة من أعقد المعادلات الدولية لصالحه.

لقد أُحرقت الورقة الأخيرة، وبدأت مرحلة ما بعد “الحياد الروسي”… مرحلة عنوانها الواقعية، ومضمونها أن الحكم الذاتي هو مستقبل الصحراء.