agadir24 – أكادير24 / سعيد الغماز-كاتب وباحث
في يوم 29 ماي من سنة 2020، توفي عبد الرحمان اليوسفي، وهي مناسبة لنسترجع جزءا من سيرة الرجل الذي لم يكتب سيرته الذاتية، رغم ما راكمه من تاريخ ونضال، نحتاجه لننسى ما آل إليه حزب القوات الشعبية في وقتنا الحاضر.
ولد عبد الرحمان اليوسفي يوم 8 مارس 1924 في مدينة طنجة، في أسرة متواضعة. نشأ في بيئة مفعمة بالحس الوطني، في ظل الاستعمار الفرنسي والإسباني، مما أثر بشكل مباشر في توجهاته الفكرية والسياسية. تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مسقط رأسه، ثم انتقل لاحقًا إلى فرنسا حيث أكمل دراسته الجامعية في الحقوق والعلوم السياسية، وتخرّج كمحامٍ في باريس.
في شبابه، انخرط اليوسفي مبكرًا في النضال الوطني ضد الاستعمار، من خلال صفوف الحركة الوطنية، وكان من المؤسسين الأوائل لحزب الاستقلال سنة 1943، قبل أن يغادره لاحقًا بسبب الخلافات الداخلية. كان اليوسفي معروفًا بحسه القانوني والحقوقي، وهو ما دفعه إلى الدفاع عن المعتقلين السياسيين في فترات حرجة من تاريخ المغرب، خاصة خلال سنوات الرصاص.
انضم عبد الرحمان اليوسفي سنة 1959 إلى حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الذي أصبح لاحقًا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، وكان أحد رموزه البارزين، خاصة بعد اغتيال المهدي بن بركة سنة 1965، حيث تولّى مسؤوليات قيادية عليا داخل الحزب.
تعرّض للمضايقات والملاحقات السياسية، واضطر إلى المنفى في فرنسا لمدة قاربت 15 سنة. خلال هذه الفترة، واصل نضاله الحقوقي والسياسي من باريس، حيث لعب دورًا بارزًا في فضح انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب على الساحة الدولية.
عاد إلى المغرب سنة 1980 بموجب عفو ملكي. بعد ذلك، عاد تدريجيًا إلى الساحة السياسية، وشارك في توحيد صفوف المعارضة. وكان أحد أبرز الوجوه في مفاوضات “التناوب التوافقي”، التي مهّدت لتحول سياسي كبير في المغرب.
في سنة 1998، عيّنه الملك الحسن الثاني وزيرًا أولًا على رأس أول حكومة “تناوب” في تاريخ المغرب، وهي حكومة ضمّت أطيافًا من المعارضة السابقة. اعتُبر تعيينه لحظة مفصلية في الانتقال الديمقراطي المغربي، حيث جسّد ما سُمّي بـ”الانتقال السلمي للسلطة بين الدولة والمعارضة”.
رغم صعوبة الظرف الاقتصادي والاجتماعي آنذاك، قاد اليوسفي حكومته بكثير من الحذر والواقعية، محاولًا تنفيذ إصلاحات اقتصادية وإدارية، مع الحفاظ على التوازنات السياسية والمؤسساتية. وبعد وفاة الحسن الثاني سنة 1999، استمر في منصبه بطلب من الملك محمد السادس إلى غاية 2002.
بعد انتخابات 2002، اعتبر اليوسفي أن المنهجية الديمقراطية لم تُحترم حين لم يُعيّن الحزب الفائز في الانتخابات لرئاسة الحكومة، فاختار اعتزال السياسة وابتعد عن الأضواء، مسطرًا بذلك صفحة من الوفاء للمبادئ دون السعي وراء المناصب.
توفي عبد الرحمان اليوسفي يوم 29 ماي 2020 عن عمر ناهز 96 عامًا، مخلفًا وراءه إرثا من النضال الوطني، والتفاني في خدمة الوطن، واحترام المؤسسات.
ختاما نقول إن عبد الرحمان اليوسفي يُعد نموذجًا للسياسي النزيه، ورجل الدولة الذي ظل وفيًا لقيم الديمقراطية والعدالة، مؤمنًا بالحوار والتدرج كسبيل للتغيير. ستظل حياته مصدر إلهام للأجيال القادمة في المغرب، كما سيظل اسمه محفورًا في ذاكرة الوطن كرمز من رموز التوافق الوطني والانتقال السلمي.
فهل ما زال حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يحتفظ بذاكرة عبد الرحمان اليوسفي؟
أم أن القيادة الحالية للاتحاد تنصلت من هذا التاريخ، واختارت أن تجعل من الحزب كمؤسسة للمناولة مع حزب آخر؟
وأخيرا هل نشهد الاتحاد الاشتراكي يصنع السياسة كما كان تاريخه، عوض الارتماء في أحضان حزب آخر بحثا عن مناصب حكومية؟
التعاليق (0)