كثيرة هي الأحداث التي تشغل الرأي المغربي في هذه الأيام بل ومنذ أسابيع. نفايات قادمة من إيطاليا وتوجه الجميع إلى قمة المناخ بعد فترة توقف على طريق زعير. كلها أحداث شهدتها الساحة الوطنية وأسالت الكثير من المداد وأبانت عما يزخر به الوطن من محللين ليعلقوا على الأحداث في بلد يتحول فيه الكثيرون إلى خبراء في كل شيء حتى صار بعض ممن فتح لهم الإعلام أبوابه يختص تارة في المناخ، تارة في الجهوية؛ وتارة محللا للخطاب الملكي وتارة يفتي في مشاكل الجالية ولو لم يسبق له أن غادر هذا الوطن. أصبحنا نحس أننا أمام ما يصطلح عليه ب “الموقف”. يكفي مشاهدة برامجنا الحوارية لنكتشف هذا الكم من المتخصصين وفق قانون العرض والطلب. لكن هناك مجموعة من الأمور إستوقفتني كمواطن مغربي من فئة ما يصطلح عليه ظلما وعدوانا “مغاربة العالم”. مؤخرا تم تنظيم ندوة بمجلس المستشارين بشراكة مع مجلس الجالية وبمشاركة سياسيين من كل الأطياف حول موضوع “مغاربة العالم والجهوية الموسعة” في الوقت الذي كان من واجبهم الإجابة عن سؤال عجزهم عن تقديم مقترحات لإشراك هذه الفئة في تدبير الشأن العام احتراما للدستور و تنفيذا لتعليمات ملك البلاد الذي بقي وحيدا يحمل هموم هذه الفئة أمام ٱستقلال الهيئات التي تمول من جيوب المواطن وعجزها التام حتى عن تجديد هياكلها. نقول لكم كفاكم من الكلام الفارغ فمجلس الجالية أولى بكم أن تجعلوه مركزا للأبحاث مادام المسؤولون عليه تحولوا بدورهم إلى محللين يحاضرون في كل مناطق العالم ويفهمون في كل شيء إلا الأشياء التي عينوا من أجلها. أبناء الجالية لا ينتظرون منكم شيئا. قد لا يروقكم هذا الكلام ولكن عليكم أن تتقبلوه لأنكم بعيدون عن الواقع.
كلما حل موسم العودة إلا وسارعت الأحزاب والهيئات الأخري التي تدور في فلكها إلى التهريج أمام حفنة ممن ألفوا “كعب الغزال” بالقنصليات لمدارسة مشاكل مغاربة العالم. لكن الأغرب أن كل هؤلاء هم جزء من هذه المشاكل إن لم نقل أنهم هم أكبر مشكل. كفاكم تهريجا فساكنة القرى تعاني العطش وأنتم تبذرون أموال البلاد في ندوات ولقاء ات أقل ما يقال عنها كونها مجرد ولائم.
مشاكل الجهوية والتنمية تحتاج إلى من يشارك قولا وفعلا كما قال جلالة الملك. المغرب في حاجة ماسة إلى نخب من داخل ومن خارج الوطن. نخب ذات كفاءة ومصداقية لأن إنجاح ورش الجهوية يستوجب المشاركة الفعلية بعيدا عن كلام الصالونات المكيفة والكلام الديماغوجي ولغة الخشب. لذا ندعو الجميع للمشاركة في هذا الورش والقطع مع الممارسات المشينة التي أصبحت لازمة لكثير من نخبنا التي تجعل من الشأن العام طريقا يسيرا للإثراء على حساب هذا الوطن الجريح. لا يسعني شخصيا إلا أن أهنيء أبناء الجالية في كل مكان على العناية الملكية بهم وأدعو الجميع إلى الإنخراط في إنجاح هذه المسيرة. فالجالية ليست آلة لإنتاج العملة بل تشكل رأسمالا لا ماديا كبيرا المغرب في أمس الحاجة إلى تفعيله.
ولا يسعني شخصيا إلا أن أستنكر إستقلال كل الهيئات من وزارة ومجلس للجالية وأحزاب سياسية بكل ألوانها و التي حولت مغاربة العالم إلى أصل تجاري يلجأ إليه البعض لتلميع صورهم. أقول للجميع ناقشوا مشاكلنا وجهويتنا وهويتنا بصالوناتكم وأمام أضواء إعلامكم مادمتم عاجزين عن القيام بواجبكم تجاه مغاربة العالم. وأمام عجزكم ألتمس باسمكم أن تعاد صياغة الدستور وسحب كل ما من شأنه أن يحرجكم تجاه غيركم.
مشاركة أبناء الجالية في الشأن العام بالمغرب أصبحت واجبا في عالم متقلب وأمام التحديات وكثرة المتربصين بهذا الوطن. هي فرصة للإسهام في تنزيل التزامات المغرب الدولية والإتفاقات الثنائية التي وقع عليها المغرب. هي فرصة لكل واحد منا للإسهام في تأطير أبناء مناطقه في دول المهجر وانتشال شبابنا من كل أنواع السلوكات المشينة والخطيرة و التي تسيء إلى الجالية بقدر ما تسيء إلى صورة بلادنا. هذا هو دورنا كنخب وكمنتخبين بأرض الوطن. لا نقول لإخواننا في المهجر أن الإنخراط في الشأن العام مفروش بالورود. فالتجربة علمتنا أنه بالإمكان أن تتحول الحياة إلى جحيم مادامت بعض العقليات المتحجرة تتجدر بجل المؤسسات بما فيها المنتخبة. مشاركة مغاربة العالم في الشأن العام قد تتحول للأسف الشديد إلى معاناة ويتحول حب الوطن والغيرة عليه إلى الكفر بكل ما هو وطني. إذا كانت العودة إلى الوطن تقترن بالفرحة عند الكثيرين فإنها بمثابة مغامرة بالنسبة للكثيرين ممن سارعوا إلى الاستجابة لنداء الوطن ليشاركوا فعليا في بناء المستقبل.
ما يجب أن يعرفه الجميع أن المشاركة الفعلية لمغاربة العالم في الشأن العام قد تكون محفوفة بالمخاطر رغم كل التضحيات التي نقدمها وعناء التنقل الذي تحدث عنه ملك البلاد,
فليسمح لنا المغاربة لأننا نعجز عن كشف ما نعانيه لأن سيوف الانتقام فوق رؤوسنا ومقربونا تحولوا إلى رهائن, لذا فأنصح كل من له غيرة على هذا الوطن أن يتسلح بالعزيمة والصبر قبل أن يفكر في المساهمة في محاربة الهشاشة والفقر في بلده لكي يرقى إلى مصاف الدول المتقدمة.
الغريب أن كثيرا من مسؤولينا ومنتخبينا لم يستوعبوا بعد أن هناك شيئا جديدا اسمه المفهوم الجديد للسلطة والذي ننتظر منهم تنزيله على أرض الواقع يبدأ بتقييم حقيقي للبرامج التنموية التي تحولت إلى أداة يجلد بها المواطن كل يوم. وأمام كل التحديات التي يواجهها المغرب تحول المفهوم الجديد للسلطة في نظر البعض إلى الشطط في استعمالها للضغط على المواطنين والانتقام منهم فقط لأنهم قبلوا بإشراك مغاربة العالم في تدبير شؤونهم. المفهوم الجديد للسلطة في نظر الكثيرين هو الوقوف كحاجز أمام أبناء الجالية الحاملين للمبادرات التي من شأنها الإسهام في تنزيل الالتزامات التي يوقعها ملك البلاد مع دول المهجر بغية إفشال مبادراتهم وزرع اليأس في نفوسهم عساهم يغادرون إلى الأبد.
حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل,
الحسن بدري
مستشار جماعي من أبناء الجالية
فاعل جمعوي بالمغرب وفرنسا
باحث في سلك الدكتوراه حول الجهوية الموسعة وآفاق التنمية بالمغرب (جامعة كرونوبل بفرنسا