في إطار محاربة عدوى فيروس كورونا المستجد ، شرعت مؤخرا السلطات الترابية لتارودانت في تنفيد عملية سميت ب ” تربيع الإقليم والمدينة ” .
وهو ربما ، مفهوم ، لتقنية في علوم الهندسة أو إحدى آليات إعداد التراب كما يبدو ؛ إلا أن مدلولها الدقيق كان عصي الفهم على أغلبية الساكنة … و بحثا عن ذلك تفضي النتائج إلى :
كون التربيع ، مفهوم جيوميتري مشتق من الربع ويقصد بها تقسيم المساحات إلى أشكال هندسية مربعة .وهي عملية مبرمجة ضمن دروس مادة الرياضيات لتلاميذ التعليم الأولي .أما بالتعليم الإبتدائي ، فهم يدرسون الجذر التربيعي أو المساحات التربيعية .
وعند البحث في ” كوكل google ” محرك البحث عبر الأنترنيت ، فيعرف ” التربيع ” في التراث إلإسلامي ، أنه كان من طقوس التنقيب عن الكنوز والدفائن أو لرصد عاهات المس بالجن و الإصابات الروحانية .
لكن ، ما هو مستعص على الفهم ، و غير قابل للإستيعاب … هي عملية تربيع إقليم و مدينة تارودانت التي شرع في تنفيذها مؤخرا ، كإجراء يعتقد ” المجتهدون ” أنه ، ناجع و فعال لحماية الساكنة من آفة إنتشار جائحة فيروس كورونا المستجد .
و حتى إن كان الرأي العام الروداني يجهل هوية ، ذلك المجتهد العبقري مبتكر هذه الفتوى ، الذي ربما تحمل مشاق إمتطاء طائرة إلتقاط الصور الجوية للمجالات الحضرية المراد تربيعها ، فعلى الأقل ، إن أصاب فله أجران ، و إن أخطأ ، فله أجر واحد ليس إلا .
لكن ، ” ما لا يمكنه الدخول إلى العقل بالدارجة ” : هو عندما يحور( بضم التاء و تشديد الواو) سيناريو هذه المحاكاة ، إلى تراجيدية عزل أحياء المدينة بحواجز حديدية ، يقف خلفها من يرتدي سترات صفراء لصد المارة عن العبور، و مطالبتهم الإدلاء بشواهد تنقلهم الإستثنائة بل ، هوياتهم الثبوتية .
و هذا فقط ” عندما يكون عندهم الزهر ” ، أما من كان حظه عاثرا ، فسيتعفرت أمامه المخزن القديم و يظهر له في أسود تجلياته ، و ربما يمكن أن يسمع ما لا تحتمله الآذان من الكلام …
و الأفظع من ذلك أنه ، عندما يساءل مرتدي السترة عمن أوكل إليه المهمة ، يشير إلى شارة بإسم ” لجنة تنظيم الحي ” ، مصرحا … ” أن المقدم هو من عينه …” .
فربما ، تكون النية الحسنة وراء هذه البدعة في ظروف الحظر الصحي ، إلا أنها ستبقى أبدا ضلالة ، حسب ردات الفعل و إنطباعات الرأي العام ، كيفما كانت رتبة من أوحى بها ، و أوكل لأصحاب الصدريات الصفراء مراقبة الوثائق الثبوتية التي هي عملية محصورة قانونيا لذوي الصفات الضبطية .
فأن تتحرك السلطات الترابية و الأمن الوطني في كوكبات بغية الزيارات التفقدية للمعابر و المرافق العمومية ، أو إقامة هكذا حواجز تربيعية أو تسديسية حتى ، فذلك روتينيا ، و يدخل في صلب مهامها للسهر على السلامة و الحفاظ على الأمن .
لكن في حالة ما سمي بالتربيع ، فيستحسن توطين على الأقل أحد ذوي الصفة الضبطية و يمكن أن يساعده هؤلاء المتطوعين ، الذين سينضاف بعضهم لا محالة إلى طابورأصحاب عدسات التصوير ” ” المؤلفة قلوبهم ” و مقتنصي دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية .
كما سيبقى من غير المستساغ ، أن يتم التغاضي عن سريان مفعول هذه الإجراءات التي أضحت مثارا للسخرية و استلهاما لذوي ملكة التنكيت …
لكن إن أجمع رضى المسؤولين عنها ، فربما ستكون بداية أخرى ، لإنبعاث ” فتوات الحارة ” كما حكى عنهم الأديب نجيب محفوظ في رواياته الخالدة .
محمد مواد