بداية أستحضر الجواب التاريخي الأخلاقي المؤسس منطقيا لأبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما ذهب إليه بعض مشركي قريش يخبرونه عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن حادثة الإسراء والمعراج حيث سألهم: أوقد قال؟ قالوا: نعم. قال أبو بكر: إن كان قد قال ذلك فقد صدق. وبناء على نفس المنطق(أو قد قال؟ إن كان قد قال)، أقول: إن كان السيد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الدكتور سعد الدين العثماني قد قال فعلا ما ورد في منشور على الصفحة الفايسبوكية (مولاي يعقوب PJD) يوم الجمعة 27 يونيو 2021 فليعذرني إن قلت له: لم تصدق، ولي عليك حق الرد بما قد لا يعجبك:
من خلال وقفة تأملية لهذا المقطع من كلام الدكتور سعد الدين العثماني في الاجتماع أو اللقاء الذي جمعه بالكتاب المجاليين الجهويين والإقليميين لحزبه حسب ما جاء في المنشور وحسب ناقله يوم 24 يونيو 2021، ومن خلال ربطه بالصورة المرافقة له والتي اختارها صاحب التدوينة واحتفظت بها الصفحة الفايسبوكية (مولاي يعقوب PJD)، نقف على ملامح نفسية لشخصية الطبيب النفسي في موقف صعب؛ فتصريحه يقطر استعلاء ونرجسية وترفعا واعتدادا بالنفس وإعجابا بالذات من جهة وتنقيصا وتبخيسا واحتقارا للغير من جهة أخرى.
الذكاء القيادي والواجب الأخلاقي يحتم عليه أن لا يتناول المستقيلين في حديثه أو على الأقل أَن لا يذكرهم بسوء إن لم يرغب في ذكرهم بخير، وكان هو الأولى والأجدر، بالنظر إلى سمعته ومكانته وموقعه وسبقه القيادي وتاريخه التأطيري والتكويني وصورته التي شكلت قدوة للاقتداء القيمي والأخلاقي بالنسبة لأجيال، باستحضار القيمة القرآنية “ولا تنسوا الفضل بينكم”، فكما تم الاجتماع كان الافتراق، وهذه سنة الحياة. تعددت الأسباب والافتراق أنواع ولكل وجهة هو موليها؛ فاستباق نحو الخيرات أو انحدار نحو المغريات. إن ذلك الجزم والتأكيد الذي ورد في كلامه على أن كل مغادري حزبه يعيشون عذابات نفسيه غيرُ مستساغ وغيرُ مقبول من شخص له رصيده من العلم الشرعي ومن الثقافة السلوكية ومن المعرفة النفسية ومن الفكر التجديدي التنويري، فهناك مستقيلون غادروا الساحة الحزبية والسياسية نهائيا وهناك آخرون انضموا إلى أحزاب دون أن تكون لهم طموحات انتخابية وغير مستعدين للترشح نهائيا، وهناك من لهم طموحات انتخابية مشروعة ومن حقهم ذلك، فالانتماء الحزبي ليس قدرا محتوما، والانضباط الأعمى على غرار الطاعة العمياء في المنشط والمكره غير ممكن في واقع تذرعه الخيانات والتواطؤات والكولسات. للأسف الشديد أن يصل التهافت السياسي إلى مستوى اتهام المناضلين الذين قدموا استقالاتهم بأنهم يعيشون عذابات نفسية وكأنهم مرضى نفسيين، إن هذا لمؤشر على ارتباك في التفكير والرأي.
الدكتور سعد الدين يعرف أن تصريحه سيسوق إعلاميا ومع ذلك يرسل إهانات واضحة إلى الأحزاب الأخرى بما يفيد أنها مجرد مرتع للمفسدين والانتهازيين والريعيين كما قال وكتبه المدون ونقلته الصفحة المشار إليها أعلاه(لأن الحسابات في تلك الأحزاب قائمة على المصالح والمغانم والمناصب وبشكل شرس والغلبة فيها للقوي ولمن يدفع أكثر..)، ولا فرصة واحدة ولو بنسبة ضئيلة جدا أن يكون بينهم صالح واحد؟ بيد أن ما يتهم به السيد الأمين العام الأحزاب الأخرى موجود في حزبه ولا يمكن تغطية شمس الحقيقة بالغربال ولا بادعاءات النفخ في الذات، بل إن أغلب الاستقالات إن لم أقل كلها هي ناجمة عن وجود انتهازيين استفادوا من موقع الحزب وتواجده في مناصب المسؤولية وفي مهام قابلة للانتهاز الريعي، وإنهم استغلوا ثقة المناضلين وجهل كثير منهم بمساطر الصفقات ومداخل الامتيازات ودهاليز التحايل على النصوص والاغتناء غير المشروع، أضف إلى ذلك انشغالهم بالتدبير اليومي، ولكنهم عند الانتباه واليقظة وإدراك مظاهر الاستغفال والاستغباء كانت ردة الفعل من الغيورين.، إضافة إلى استغلال بعض التسلقيين للمسؤوليات التنظيمية والرهان على الأشكال غير المشروعة للالتفاف على الديمقراطية الداخلية من أجل الاستفراد والتحكم في قرار الوصول إلى المواقع التسييرية والمناصب.
بالنسبة لي شخصيا، أقولها وبكل مسؤولية: العذاب النفسي الذي عشته وما أزال أعانيه وسأظل أقاسيه بمرارة شديدة ما حييت وإلى أن ألقى الله هو سرعة الاستغناء السريع عن مناضلين أسهموا في وضع اللبنات الأولى للحزب وشاركوا بقوة وجاهزية نضالية في بناء صرحه بتفاصيل العمر وبدقائق الكد وبركام الهم وبكم هائل من الأوجاع والآمال وبكل ألوان التضييق والحصار والحرمان وشلال الإهانات وبكل محطات النضال والكدح في كل الواجهات والاتجاهات، بكل الاحتراق اليومي المتواصل والاكتواء الداخلي المستمر والرفض الصادق الخالص لكل فرص الانبطاح والتسلق والاسترزاق والتملق والارتقاء الزبوني كي يؤسسوا لرصيد الشرعية بكل ما تحمله الشرعية من زخم وامتداد تاريخي ونضالي ووفائي في مواجهة اللاشرعية الانتفاعية والانتهازية الريعية، وكي يؤسسوا لرصيد المصداقية لبناء مسار بديل يمنح الجماهير أملا متجددا في الحياة ويهبهم منسوبا من الثقة في إمكانية صناعة واقع الكرامة والعزة والرفعة. إنهم قدموا تضحيات جسيمة، لا تهمهم المواقع ولا المناصب ولا المنافع ولا الألقاب، ولكن يهمهم التزامهم المبدئي مع الساكنة والوفاء للتعاقد مع المواطنين، لكنهم فوجئوا بهواة التسيير يمتطون صهوة معادلة الاختلاف بين مكونات المجلس ويقحمونها قسرا في التدبير التنظيمي للتخلص منهم بسبب ملف تدبيره ليس بالضرورة مسطريا. للأسف الشديد كانت الشكاية ببناءاتها وحيثياتها وتفاصيلها كمن يقدم مجرمي حرب إلى المحكمة الدولية، بينما الخلاف كان بسبب زلات تمس الأمانة وتعكس خيانة المسؤولية وتطعن في العمق ثقة المواطنين، لكن للأسف الشديد يُحاكَم البريء ويعيش المتهم حرا طليقا سعيدا مستعليا متبجحا بحجة أن لا نعطي للخصوم فرصا للنيل من مصداقية الحزب.
أختم فأقول: إن الرهان على الزمن مع قرش ماكر هو تمكين له من مزيد من الوقت ليحكم قبضته ويتقن الابتلاع، ولقد ضاع عن الحزب كثير من رواحله وما زال سيضيع، في زمن قل فيه الرواحل(الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد منهم راحلة) بسبب تسرب المتسلقين وتسللهم إلى مواقع التأثير.
ويبقى الأمل في هذا الوطن متجددا بوجود نساء ورجال صادقين مخلصين غيورين مع تعدد مرجعياتهم ومنطلقاتهم الفكرية واختياراتهم السياسية.