أكادير24 | Agadir24/كوثر قلقازي
سنة كبيسة أخرى حلت بعد أربع سنوات، كان اليوم التاسع والعشرون من فبراير لعام 1960. اصطحب الأب فتاه ليشاهدا معا فلما جديدا يتم عرضه بسينما السلام بمدينة أكادير.
طوال اليوم، كان الفتى متحمسا وسعيدا بالوقت الذي سيقضيه رفقه والده. فزخم الحياة وازدحام الأحداث يحول دون ذلك.
طابور طويل من الناس، كل ينتظر دوره ليلج إلى قاعة السينما، ودهشة الصبي وفرحه العارم ظاهر على محياه لا ينطفئ. كان الوقت ليلا، يفصل المنتصف ساعات قلائل.
ولج المشاهدون إلى القاعة، هدأت الأجواء وبدأ الفيلم. كان يحكي عن “غودزيلا”، حيوان متوحش أسطوري ذو قدرات خارقة، سيشرع في هدم البلدة التي تمركزت بها أحداث.
لم يحسب الفتى ولا والده ولا المشاهدون بالصالة الذين وصل عددهم إلى 400 شخص، أن الفيلم الحقيقي يحدث في تلك الأثناء خارجا، لا يفصلهم عنه سوى أسوار سينما السلام وأعمدتها المتماسكة. كان الفيلم أشد رعبا وأكثر دموية، والأخطر من هذا كان واقعيا جدا وليس بضعة ممثلين يتقمصون الشخصيات.
وكأن الوقت توقف، وكأن القيامة قامت وساعة الصفر حانت. الساعة تشير إلى 23:40 وأكادير ما عادت مثلما كانت قبل لحظات، وما عاد الناس ولا البنايات كما قبل.
الأقوى من نوعها:
كانت أكادير سجلت يوم 29 فبراير 1960 على الساعة 23:40 هزة أرضية بلغت قوتها 5,7 درجة على مقياس ريشتر، واستمرت على مدى 12 إلى 15 ثانية فقط. قد تبدو هذه القوة للوهلة الأولى ضعيفة، لكنها كانت كافية أن تدمر 80 بالمائة من المدينة.
اضطر السكان، رجالا ونساء وأطفالا، لمغادرة منازلهم في جوف الليل. ووجدوا، وهم في حالة صدمة قوية في الأزقة والشوارع، مشهد دمار وكأنه مشهد من نهاية العالم، وسط كم هائل من الركام والغبار، وانتشر الناجون وانهمكوا في البحث عن أقاربهم أو مد يد المساعدة إلى الناجين.
كان تعداد الجرحى بالآلاف، وعلى الرغم من أن هناك من نجا بأعجوبة، إلا أن أغلب السكان قد لقوا حتفهم. صفت الجثامين التي ما فتئت تتزايد في الساحات القليلة التي ظلت خالية من ركام المباني المنهارة. لا توجد أرقام محددة لأعداد الهالكين، إلا أن الخسائر في الأرواح قدرت مع ذلك، بما يزيد عن 15 ألف نسمة من ساكنة أكادير البالغ تعدادها، آن ذاك، حوالي 45 ألف نسمة.
وفسرت الحصيلة الثقيلة بالقطاع العتيق للمدينة بقربه من بؤرة الزلزال، والتي تفاقمت بفعل الكثافة السكانية العالية جدا في الأحياء القديمة ذات البنايات الهشة.
أكادير المنكوبة:
لم تتسبب الكارثة في دمار المدينة، ولم تقتصر على الأضرار المادية فقط، فالخسائر جسيمة على الصعيد الإنساني والضرر كبير. ولم يكن التحدي يتمثل في إعادة بناء وإعمار المدينة، بل شمل كذلك، في استعادة الثقة لدى ضحايا الزلزال المباشرين ولدى باقي أفراد الأمة المصدومة.
في ليلة واحدة صارت أكادير مدينة منكوبة، جثث ضحايا بدأت تتحلل بسرعة بفعل الحرارة التي رافقت الأيام بعد الفاجعة، ونازحون خسروا ديارهم فصاروا بلا مأوى، وجرحى لم يستعيدوا عافيتهم الجسدية ولا النفسية، وآخرون لا زال مصيرهم مجهول تحت أنقاض الجدران وأطلال المباني.
أكادير: عنقاء تنبعث من تحت الركام:
“لئن حكمت الأقدار بخراب أكادير، فإن بناءها بإرادتنا وإيماننا” هكذا دعا ملك المغرب الراحل محمد الخامس لتكثيف الجهود والمساعدات لإنقاذ أكادير المنكوبة وسكانها. فكانت المساعدات الدولية، عينية وبشرية، والتي وصلت من مختلف أنحاء العالم، حيوية في المرحلة الأولى من عملية الإغاثة. وكانت هذه المساعدات، قد اقترنت بدعم مالي مقدم من طرف العديد من الدول، فضلا عن عمليات واسعة النطاق لجمع التبرعات لفائدة منكوبي أكادير.
وبهذا، فقد شكل التضامن الدولي من دول صديقة ومنظمات دولية ومهندسين معماريين مكملا حقيقيا لجهود المغرب المبذولة في عمليات الإنقاذ الأساسية الأولى من أجل المنكوبين ومن أجل انبعاث المدينة.
وكانت قد شكلتأنشأت الحكومة المغربية المفوضية العليا لإعادة إعمار أكادير، من أجل إعادة بناء المدينة. الأخيرة وضعت خطة لتهيئة المدينة الجديدة بعد ستة أشهر من الزلزال، تحت إشراف ولي العهد آن ذاك، الملك الراحل الحسن الثاني.
أكادير: مدينة الانبعاث:
وها نحن اليوم، تمر الذكرى 65 على الزلزال الأكثر تدميرا بالمغرب، الذي فتك بحوالي 15 ألفا من السكان، وجعل مدينة أكادير كالتي انتهى بها الزمن، ليكون فاصلا بين عصر مضى بالمدينة وعصر آخر جعلها أكادير، مدينة الانبعاث التي نعرفها اليوم، عاصمة سوس وأحد أكبر المدن المغربية، التي صارت وجهة للسياحة الداخلية والخارجية لكل من يبحث عن الأصالة المغربية ودفء شمس الرمال والشاطئ.
التعاليق (0)