agadir24 – أكادير24/سعيد الغماز-كاتب وباحث
ليس من عادتي التعليق على ضيوف أي برنامج يستضيف من يريد، بانتقاء وغير انتقاء، بتحديد المناسبة وبغير مناسبة. وسبيلي في ذلك هو حرية التعبير التي يجب أن تكون مكفولة للجميع، والخلاف ندبره بالنقاش والتدافع ولا شيء غير ذلك.
لكن ضيف الخشيبات في برنامج اسمه “بدون لغة الخشب”، أثار انتباهي حين علمتُ كيف تعامل رواد التواصل الاجتماعي مع الضيف الخشبي. وحين قرأتُ التعاليق، ومن بينها هذا التعليق “حشومة وعار على بلادنا أن مثل هذه النماذج تكون رئيسة مجلس…”، دفعني فضول التقصي لمتابعة البرنامج. فعرفتُ أن تلك التعاليق كان لها ما يبررها، لأن ضيف الخشيبات يعكس أسوأ ما في السياسة حين يتم إفراغها من المعنى.
وبما أن وطني يستحق الأفضل وليس الأحسن، كان لا بد من الحديث، وكان لا بد للسان أن ينطق، وللصمت أن يتكلم، لأن الصمت يكون في بعض الأحيان أخطر من الكلام، خاصة حين تسود لغة الخشيبات بلا ضمير، ولا نُزر قليل من الاحترام في ممارسة حتى الانتهازية السائدة في السياسة.
فحين تتحدث الخشيبات، يصمت المنطق. وهذا ما وقع في لقاء “بدون لغة الخشب”.
ضيف الخشيبات سياسي من الخشب. لأن الخشب بحكم تركيبه ليست فيه روح، وبالتالي لا مجال لنتحدث له عن الضمير. كما أنه، أي الخشب، سلعة طيعة في يد النجار. قد يستعمله لصنع كرسي يجلس عليه، كما قد يستعمله كعصا يأمرها بضرب خصومه ومنافسيه في الميدان.
هذا بالضبط هو حال ضيف الخشيبات. إنه من فصيلة الترحال السياسي الذي ابتليت به الممارسة السياسية في بلادنا، مع الأسف الشديد…وحتى صاحب البرنامج تحدث عن قرب الانتخابات، وعن بحث ضيفه عن نجار جديد، يضمن له تزكية الانتخابات مقابل بيع نجارة الآراء والمواقف. ففي عالم الكائنات الانتخابية، كل شيء قابل للبيع.
هكذا كان انتقال ضيف الخشيبات من مدرسة المبادئ إلى نجارة المصالح. والغريب هو الجرأة في استعمال الخشيبات لإقناع المستمع بالرائحة الجميلة للنجارة. إنه نموذج لخشيبات أفسدت السياسة وأهانت الفكر.
حتى الكائنات الانتخابية، لها بعض الخصال التي نذكرها من باب الانصاف. حين تترك حزبها للبحث عن التزكية في حزب آخر، لا تتحدث عن حزبها السابق لا بالخير ولا بالسوء. هي تعرف أن الانتهازية المصلحية هي سبب ترحالها، وتَستُر عِرضها بالتزام الصمت.
لكن يبدو أن ضيف الخشيبات مُطالب بمهمة أخرى إن أراد الحفاظ على موقع في الانتخابات القادمة. ضيف الخشيبات أتى من رقعة سياسية تعلَّم فيها الممارسة السياسية بكل أبعادها ومقوماتها في بناء مغرب الغد، ووطن العدالة والتنمية والحرية والتقدم. وحط الرحال في رقعةٍ تتضارب فيها المصالح وتسودها شروط الرئيس.
يبدو أن ضيف الخشيبات لم يجد في مدرسته الحالية، التكوين اللازم للارتقاء بمستواه السياسي. فشرع في تبرير أعطاب حاضره السياسي بأدوات تعلمها في مدرسته السابقة، ويحاول أن يموّه بها الرداءة التي غاص فيها. هنا كانت المفاجئة التي “فرشات كل شيء”.
فالمعطوب لا يمكنه إصلاح الأعطاب، والمريض لا يمكنه أن يداوي الطبيب، والكائن الانتخابي لا يمكنه الحديث عن قيم الممارسة السياسية. هذه هي معالم الممارسة السياسية بقواعدها المبدئية.
… نعم مفاجئة “فرشات كل شيء”، فلم نسمع في لقاء “بدون لغة الخشب” ولو انجازا واحدا لساكنة الإقليم. لكن سمعنا استعمال خشيبات الأرقام للحديث عن المنجزات. سمعنا العمل في الأرض “Travail sur terrain” لكن لم نلمس أي اهتمام بالطبقات الشعبية، بل سمعنا الحديث عن ثقافة طاكوس 50 درهما. لم نسمع أي حديث عن الحقوق والديمقراطية والحرية، لكن سمعنا “واحد السيد قال ليا أن حزبكم غادي يرجع” على وزن “أنا باركا عليا غير مول النعناع”. سمعنا الحديث عن القرب في خدمة السكان وعلى الأرض، وحين تساءل صاحب البرنامج عن أمثلة من الميدان، كان الحديث عن استحقاق المونديال والقضية الوطنية…فبهت مُعد البرنامج، الحديث في واد والمثال في واد، وليت ضيف الخشيبات تحدث لغة الخشب.
فمدرسة المبادئ لا يمكن استعمالها في سياسة المصالح، وثقافة الديمقراطية الداخلية في المدرسة السابقة للضيف، لا يمكن استعمالها في حزب الرئيس الذي يُسند له كل شيء، ويكون دور المنتخب هو ثقافة “رئيس غيَّر السياسة في البلاد”، وتمثيلية “كيف لا….” الفاقدة للطف والبعيدة عن الخير. كل شيء يقوم به الرئيس، فليس هناك شيء اسمه مؤسسات الحزب. ليس هناك لا مكتب سياسي ولا مجلس وطني ولا مؤتمر وطني. هناك الرئيس والرئيس فقط.
ضيف الخشيبات اختار الانتقال من حزب إلى حزب، في زمن الانتخابات الذي تتحرك فيه بنشاط كبير الكائنات الانتخابية. قبِل بما هو أقل، مقابل أن يتحول لعصا بيد النجار يضرب بها غريمه السياسي. والآن بعد اقتراب الانتخابات، كبُرت طلبيات النجار، فاضطر ضيف الخشيبات للزيادة في طول العصا، ليضرب تاريخه بقوة أكبر، إن هو أراد الحفاظ على المكسب الانتخابي. وإلا دخل عالم النسيان، ليبحث له عن ترحال جديد تحدث عنه معد البرنامج بدون لغة الخشب.
هكذا يكون مصير من دخل منزل الانتهازية الانتخابية. وليس أمام ضيف الخشيبات سوى ممارسة النقد الذاتي والرجوع إلى الذات، إن بقي في الضمير قلب ينبض. والاختيار الآخر هو التمسك بالمنصب الانتخابي، وهو ما يتطلب المزيد من الغوص في بئر الرداءة وثقافة انعدام الضمير. فالنجار لا يرى في ضيف الخشيبات سوى كرسي يجلس عليه، أو عصا يضرب بها الخصوم. وإلا…فلا تزكية ولا مصالح انتخابية….وهكذا كان مصير العديد من الكائنات الانتخابية التي أفسدت السياسة في بلد المونديال.
المعادلة واضحة بدون الحاجة للغة الخشب. الارتقاء درجة في سلم الممارسة الانتهازية للسياسة، ثمنه المزيد من الإساءة والتقديح في المدرسة السابقة لضيف الخشيبات. ومع اقتراب الانتخابات سيزيد هذا الأخير، عن وعي أو خضوع، من نبرة التقديح في تجربته السابقة، لعل الأمر يضمن له تجربة جديدة في البرلمان، ولو من النافذة الخلفية، بعد أن كانت التجربة السابقة من الباب الرئيسي.
هكذا تتهيأ الكائنات الانتخابية للانتخابات عموما. فكيف ستكون النخب السياسية في مغرب المونديال؟
التعاليق (0)