لا شك أن ساكنة منطقة سوس، وبالخصوص ساكنة مدينة اكادير وضواحيها، متشوقون غاية الشوق إلى الزيارة الملكية، ويتشوفون بفرح شديد إلى اليوم الذي يحل فيه ووفده المهيب بأكادير.
وما أن أعلن وانتشر خبر نية جلالته بالقدوم إلى المدينة حتى دبت الحركة فيها، على غير عادتها، ونزلت البركات وبدأ ظهور الخير والرضى وتساقطت الثمرات في عدد من الأماكن. ففتحت أوراش العمل، ونظفت الشوارع، وسقيت الحدائق وشذبت الأشجار ووضبت الحشائش وغرست بين عشية وضحاها، كما تساقطت أشجار النخيل من السماء وغرست بقدرة قادر. أما الأزهار بشتى أنواعها وألوانها، فحذث ولا حرج.
طليت الجدران وابيضت واجهاتها،ونصبت الأعلام من على سطوحها وتمت سفلتة بعض الشوارع وملئت حفرها وعلقت الصور الرسمية للملك في جميع أرجاء المدينة، وباختصار ازدانت مدينة اكادير للتعبير عن فرحتها وابتهاجها بالقدوم المنتظر لصاحب الجلالة رئيس الدولة المغربية.
قد لاحظ المواطن العادي، الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، أن السلطات المحلية والمصالح الجهوية قد جندت عددا لا يستهان به من الأيادي العاملة للخدمة ليل نهار، وسهرت على ضمان إنجازها على أحسن وجه. على أن الإهتمام بالزينة والنظافة اقتصرت على مناطق وشوارع المدينة التي يفترض أن يمر بها الوفد الملكي أثناء الزيارة المرتقبة.
قد أثار هذا الإختيار المنحاز إلى بعض الأماكن فقط سخرية وتساؤلات المواطن حول دوافع المسؤولين وراء جديتهم وأنشطتهم وتركيزهم على مناطق معينة من المدينة وإهمال المناطق الأخرى وتهميشها كأنها لا تشكل امتدادا للمدينة. ولا يحتاج فهم الموقف عنده(المواطن) وسر نشاط المسئولين إلى الإلمام بعلم الصواريخ
كل ما هنالك في الأمر أن هذا النشاط من طرفهم مرده(Rocket science)
خوفهم من انتقادات صاحب الجلالة لصورة المدينة وهيئتها وتهورهم في القيام بواجباتهم وتحمل مسئولياتهم في السهر على تدبير شؤون المدينة وتقديم أفضل الحدمات لساكنتها والوافدين عليها.
ويبدو، بما لا يدع مجالا للشك أن الساكنة تغمرها الفرحة، واستقبلت نية الزيارة المولوية بارتياح كبير لما لها من قوة وآثار بدفع المسؤولين لبذل مجهودات للقيام بواجباتهم,على الأقل في بعض مناطق المدينة التي حظيت باهتمامهم. ولا شك لدى الجميع أن النية الملكية بالقدوم إلى المدينة، وإلى أي منطقة أخرى في بلدنا الغالي والغني، تحمل تباشير الخير وتدخل الفرح والسرورعلى الساكنة وتحفز المسؤولين على القيام بواجباتهم مما يفيد من بعض التحسن الذي يطال وجه المنطقة والمدينة المزمع زيارتها من قبل الملك. فالفرح خاص بالساكنة من وجهين: الأول انتعاش المنطقة والتغيرات الإيجابية التي تطالها، والوجه الثالني للفرح يكمن في شعورهم بالغبطة جراء ما أحدثته نية الزيارة الملكية من ضعط على المسئولين الذين عملوا رغم أنفهم خوفا من الغضب الملكي على تقصيرهم.
يقابل فرح الساكنة قلق المسؤولين بالرغم من ادعاءهم بفرح قدوم الملك وزيارته إلى مدينتهم ومنطقتهم. أسباب القلق هذا يدركه الجميع لأن الزيارة الملكية ليست للترفيه والسياحة والإستجمام مع شرعيتها إن رغب في ذلك. وما المانع؟ أليس مواطنا مغربيا؟
الزيارة الملكية تدخل في نطاق تفقد أحوال المواطنين ومحاسبة المسؤولين على تقصيرهم واخلالهم بمسئوليات القيام بواجباتهم واستغلال مراكزهم لخدمة مصالحهم مع إهمالهم لشكاوي المواطنين. ويلاحظ كثير من الناس أن ما يبذله المسؤولون من جهد جراء تبليغهم بنية الزيارة الملكية لا تعكس نشاطاتهم اليومية وجديهم والتفاني في أعمالهم ووظائفهم كما يلزم.
وكون تركيز التقبيل على خط سير الوفد الملكي المحدد سابقا،فإن معظم مناطق المدينة لا تحظى بالإهتمام، كما تقدم،وتظل مهمشة ومهملة كعادتها, ولا يخطر ببال المسؤولين أن جلالته يستطيع القيام بزيارة مفاجئة لتلك المناطق في الوقت الذي يشخرون فيه على أسرتهم الناعمة لتفاجئه أوضاعها المزرية التي يتسترون عليها وقد يخشى أن يلخص لهم ملاحظاته بالمقولة المغربية المشهورة: “إيه أودي ألعكر على الخنونة”. ويرمي بها على وجوههم ليخجلوامن تقصيرهم، وقد يأمر بمحاسبتهم حسابا عسيرا قد يشمل إنهاء الخدمات أو السجن والغرامة.
هذه بعض ثمرات نية الزيارة الملكية الميمونة إلى مدينة اكادير. وقد سبق القول بأن الساكنة استقبلت الخبر بفرح شديد وابتهجت بالآثار التي خلفته في بعض مناطق المدينة، والجميع يشكر من أعماق قلوبهم هذه اللفتة الملكية التي دفعت المسؤولين بالقيام ببعض أعمالهم التي يفترض أن تكون ديدنهم اليومي.
فشكرا لجلالته على اللقاح من الإهمال والكسل وتقصير المسؤولين، ويا حبذا التبليغ، بين حين وآخر، بالنية الملكية للقدوم، حتى تحين الظروف بالزيارة الفعلية التي تتوقعها الساكنة بفارغ الصبر، وحفظ الله جلالته في حله وترحاله.
الدكتور عبد الغاني بوشوار
اكادير، المغرب الآمن.
Bouchouar@gmail.com
التعاليق (0)