بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية.
في خطوة تحمل دلالات سياسية وأمنية عميقة، جاء تعيين اللواء عبد الله بوطريك مديراً عاماً للمديرية العامة لأمن نظم المعلومات، ليؤكد التزام المغرب الراسخ بتأمين فضائه السيبراني، وترسيخ دعائم السيادة الرقمية في زمن تزداد فيه التهديدات غير التقليدية، وتتحول فيه الحرب من الميادين التقليدية إلى الفضاءات الافتراضية.
هذا التعيين، كما جاء في بلاغ رسمي للمديرية، ليس مجرد إجراء إداري، بل هو امتداد لجهود متواصلة يبذلها المغرب في سبيل تعزيز منظومة الأمن السيبراني، باعتبارها إحدى الركائز الأساسية لمسار التحول الرقمي الذي تشهده المملكة.
- من تبصرات جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيّده
ولا يمكن فصل هذا التعيين عن الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، الذي يضع في صلب مشروعه الوطني أسسَ الاستقرار، وحماية الوطن، والنهوض بمؤسساته الحيوية. فقد برهن جلالته، مرة أخرى، على إدراك عميق لما يحيط بالمغرب من تحديات وفرص في العصر الرقمي، واختار لهذا المنصب شخصية وازنة قادرة على قيادة هذه المرحلة الدقيقة والحاسمة. إن هذا القرار يعكس حرص جلالته المستمر على ضمان وطن آمن، مزدهر، ومحصّن، بما يخدم مصلحة شعب وفيّ يبادل ملكه الوفاء بالولاء.
- مسار متميز وخبرة عسكرية وأكاديمية رفيعة
اللواء عبد الله بوطريك ليس اسماً جديداً في دوائر القرار الأمني والتقني، بل هو أحد الوجوه البارزة التي جمعت بين التكوين الأكاديمي المتين والخبرة الميدانية العميقة. تخرّج من المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي (INSEA)، كما هو خريج الأكاديمية الملكية العسكرية بمكناس (دفعة 1987)، وهي مؤسسة تُعرف بصرامتها الأكاديمية والعسكرية في آن.
إلى جانب هذا، راكم اللواء بوطريك تأهيلاً عالياً في مجالات الدفاع والتخطيط الاستراتيجي، حيث حصل على دبلوم دورة الأركان، وشهادة الدورة العليا للدفاع، إضافة إلى ماستر في الأمن والدفاع من الكلية الملكية للدراسات العسكرية العليا.
ولم تكن هذه المؤهلات النظرية مجرد أوراق اعتماد، بل ترجمت في سلسلة من المسؤوليات القيادية، أبرزها توليه منصب مدير المساعدة والتكوين والمراقبة والخبرة بالمديرية العامة لأمن نظم المعلومات، ومنصب نائب مفتش سلاح الإشارة بالقوات المسلحة الملكية، حيث ساهم في تطوير منظومات الاتصال والحماية المعلوماتية للقوات المسلحة.
- فضاء جديد للمعارك: الأمن السيبراني كجبهة استراتيجية
لا يخفى على المتتبعين أن التحولات الجيوسياسية الراهنة أفرزت نوعاً جديداً من التحديات الأمنية، تتجاوز المفهوم الكلاسيكي للحدود والسيادة. في هذا السياق، أضحى الأمن السيبراني مجالاً حيوياً لصياغة موازين القوة، إذ تتسابق الدول لتأمين بنية معلوماتها الحساسة، وحماية شبكاتها من الهجمات والاختراقات التي قد تهدد استقرارها الاقتصادي والأمني.
وفي هذا السياق، يأتي تعيين اللواء بوطريك كإشارة قوية على وعي الدولة المغربية بخصوصية هذه المرحلة، وحرصها على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، خصوصاً في ظل التحديات المتنامية المرتبطة بالتحول الرقمي، والرقمنة المتسارعة للقطاعات الحيوية من إدارة عمومية، ومؤسسات استراتيجية، ومرافق حيوية.
- رهان على الكفاءة الوطنية… وعلى المستقبل الرقمي
إن اختيار شخصية ذات تكوين علمي عالي، وتجربة ميدانية واسعة، لتقلّد هذا المنصب الحساس، يُعبّر عن رؤية استشرافية واضحة: الاستثمار في الكفاءات الوطنية، وإرساء بنية مؤسساتية قادرة على التصدي للتحديات الرقمية الحديثة.
ويبدو أن المغرب يخطو بخطى واثقة نحو بناء منظومة سيبرانية متكاملة، لا تقتصر على الجانب التقني فحسب، بل تشمل أبعاد الحوكمة، والتكوين، واليقظة الاستراتيجية. واللواء عبد الله بوطريك، بما يحمله من رصيد وتجربة، يُنتظر أن يلعب دوراً محورياً في هندسة هذا المسار، وتعزيز موقع المغرب إقليمياً ودولياً كفاعل جاد في قضايا الأمن الرقمي.
- خاتمة: نحو مغرب آمن سيبرانياً
إن تعيين اللواء عبد الله بوطريك على رأس المديرية العامة لأمن نظم المعلومات، هو خطوة محورية في مسار تحصين الأمن السيبراني الوطني. فهو ليس مجرد تكليف وظيفي، بل هو تجسيد لإرادة عليا في مواكبة التحولات العالمية، واستشراف التهديدات الجديدة، وبناء مغرب رقمي آمن، وذو سيادة كاملة على فضائه السيبراني.
التعاليق (0)