عبدالله بن عيسى
يعيش المغاربة اليوم حالة من الإنهاك الصامت، كمن يسير في طريقٍ طويل لا يرى له نهاية. تتحدث الحكومة بلغة الأرقام، لكن الناس يعيشون بلغة المعاناة اليومية. وبين الخطاب الرسمي والواقع الشعبي، تتسع الفجوة إلى حدٍّ يجعل الصمت أحيانًا أصدق من كل التصريحات.
يستيقظ المواطن على أسعارٍ تتغير أسرع من وعود الإصلاح، وعلى فواتير أثقل من دخله، وعلى تصريحاتٍ مطمئنة لا تُغيّر من واقعه شيئًا. تتحدث الحكومة عن التنمية والازدهار، بينما الشوارع تحكي قصصًا أخرى ، قصص شبابٍ عاطلين، وأسرٍ تُصارع الغلاء، ومرضى يفتشون عن دواءٍ لا يجدونه إلا بثمنٍ مضاعف.
في المقابل، تتقن الحكومة فنّ التبرير أكثر مما تتقن فنّ الإصغاء. كل إخفاق له شماعة، وكل أزمة لها تبرير جاهز، حتى أصبحت المسؤولية السياسية سلعة نادرة في سوق السياسة. المواطن لا يريد خطابات مطمئنة، بل قراراتٍ ملموسة تعيد إليه الثقة بأن من يحكمه يسمعه فعلًا، لا يتحدث باسمه فقط.
مشكلة المغرب اليوم ليست في غياب المشاريع، بل في غياب الإحساس بالمواطن داخل تلك المشاريع. فكل إصلاحٍ لا يشعر به الناس هو إصلاح ناقص، وكل إنجازٍ لا يلمسه الشارع يبقى مجرد عنوان في نشرة إخبارية. الإصغاء إلى نبض الشارع ليس ضعفًا في السلطة، بل دليل نضجها وقدرتها على تصحيح المسار.
لقد أثبتت السنوات الأخيرة أن التنمية لا تُقاس بعدد المليارات، بل بمدى إنصافها لأبناء الوطن. حين تتحدث حكومة عن الأرقام وتنسى الوجوه، تفقد جوهر السياسة الذي هو الإنسان. المواطن المغربي لا يطلب المستحيل، بل فقط أن يُعامَل كقيمة لا كرقم في الميزانية، وأن يرى أثر وعود حكومته في حياته اليومية لا في تقاريرها.
البلاد تحتاج اليوم إلى حكومة تُصغي أكثر مما تتحدث، تُنصت قبل أن ترد، وتُمارس الفعل قبل أن تُعلن عنه. لأن الإصلاح الحقيقي يبدأ من الاعتراف بالخلل لا بتجميله، ومن الإصغاء إلى الناس لا من الحديث باسمهم.
فقد حان الوقت لأن يدرك المسؤولون أن التبرير لم يعد يُقنع أحدًا، وأن المواطن لم يعد يطلب شعاراتٍ جديدة بل كرامةً محفوظة، وعدالةً حقيقية، وسياسةً تُنصفه لا تُحاصره.
المواطن اليوم لا يبحث عن حكومة تبرّر، بل عن دولة تُصغي، تفهم، وتتحرك. لأن الأوطان لا تُبنى بالكلام… بل بالإحساس بالناس.