تُخلّد المملكة، يوم الأربعاء 20 غشت 2025، الذكرى الثانية والسبعين لملحمة ثورة الملك والشعب؛ محطةٌ تختزن إحدى أبهى صور الالتحام بين العرش والشعب في مسار الكفاح من أجل الحرية والاستقلال والوحدة الترابية. ووفق بلاغ المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، فإن إحياء الذكرى يتم في سياق تعبئة وطنية متجددة تستلهم قيم الوطنية والوفاء والتضحية التي صنعت هذا الحدث الفاصل في التاريخ المغربي المعاصر.
انطلقت فصول الملحمة في 20 غشت 1953، حين امتدت يد الاستعمار إلى رمز السيادة الوطنية الملك الراحل محمد الخامس، فنُفي ومعه الأسرة الملكية خارج الوطن. لكن فعل النفي تحوّل إلى شرارة أذكت جذوة المقاومة: مظاهرات وعمليات فدائية وتنظيم سياسي متصاعد، توِّجت بعودة الملك مظفّرًا في 16 نونبر 1955 إيذانًا ببداية مرحلة الاستقلال وبناء الدولة الحديثة. وخلال عقود المواجهة مع الاستعمار، يسجّل التاريخ المغربي معارك بارزة: الهِري (1914)، أنوال (1921–1926)، بوغافر، وجبل بادو (1933)؛ كما يبرز في المسار السياسي التصدي لما سُمّي بالظهير البربري (1930)، ثم وثيقة المطالبة بالاستقلال (11 يناير 1944)، وخطاب طنجة (9 أبريل 1947) الذي حدّد مهام مرحلة النضال من أجل الاستقلال والوحدة.
بعد بزوغ الاستقلال، تواصلت معركة استكمال الوحدة الترابية: استرجاع طرفاية (1958) وسيدي إفني (1969)، ثم المسيرة الخضراء (1975) التي مهدت لجلاء آخر جندي أجنبي عن الأقاليم الجنوبية في 28 فبراير 1976، واسترجاع وادي الذهب (14 غشت 1979). وتؤكد أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير أن الذكرى مناسبةٌ لتجديد الانخراط في الدفاع عن الثوابت الوطنية وترسيخ قيم المواطنة الفاعلة.
وتقترن الذكرى هذا العام ببشائر أفراح عيد ميلاد جلالة الملك محمد السادس الثانية والستين، بما يضفي عليها بعدًا راهنًا. وفي هذا الأفق، يستحضر البيان مضامين الخطاب الملكي ليوم 29 يوليوز 2025، ولا سيما التأكيد على الانفتاح على المحيط الإقليمي وتمسّك المغرب بالصرح المغاربي، مع سياسة اليد الممدودة تجاه الجزائر، فضلًا عن الاعتزاز بالدعم الدولي المتنامي لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها حلًا واقعيًا للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية. ويشدّد الخطاب على السعي إلى حلٍّ توافقي يحفظ ماء وجه جميع الأطراف، ويصون الاستقرار الإقليمي.
وبين ذاكرة الأمس واستحقاقات اليوم، تذكّر ثورة الملك والشعب بأنّ رأس مال المغرب الأكبر هو الثقة المتبادلة بين العرش والشعب، وأنّ دروس التضحية والانضباط والتماسك الوطني تبقى صالحةً لإلهام الأجيال الجديدة في مواجهة تحدّيات التنمية والوحدة والسيادة. هكذا تُستعاد الذكرى لا للاحتفاء الرمزي فحسب، بل لتغذية مشاريع المستقبل بروحٍ بنّاءة تستلهم من ملحمة التحرّر القدرة على تحويل الإرادة الوطنية إلى إنجازٍ ملموس.
التعاليق (0)