خبر السيئ مصدره وزارة العدل والحريات، حيث تخلى الوزير مصطفى الرميد عن مشروعه الأول القاضي بوضع قانون جنائي جديد يبلور تصوره لإصلاح المنظومة القضائية والتشريعية في المجال الجنائي، ويغير فلسفة هذا القانون الذي كان ومازال محط انتقادات كبيرة في وسط الحقوقيين والمواطنين. وعوضا عن إصلاح عميق للمنظومة الجنائية الحالية، القائمة على تصور غير ديمقراطي وعلى منظور منغلق ومحافظ جدا إلى درجة الرجعية التي تهديد الحرية وضماناتها، لجأ وزير العدل والحريات، الذي كان الكثيرون ينتظرون منه إنجازا مهما على مستوى النصوص مادام الواقع القضائي خارج سيطرته، إلى صيغة تعديلات جزئية وتقنية على النص الجنائي القائم، تستجيب لحاجيات الدولة التي تريد تجريم الهجرة غير الشرعية، وتشديد العقوبات على بعض جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، مع إدخال مقتضيات طفيفة حول الإجهاض والعقوبات البديلة، في حين أن الوعود الأولى للوزير وحكومته كانت أكبر بكثير من هذا.
المبرر الذي تسوقه الوزارة للعدول عن وضع قانون جديد نقرؤه في التقديم، الذي صاحب مشروع القانون المنصب حول التعديلات، فهناك ضيق الوقت، حيث إن العمر التشريعي القصير لمجلس النواب لا يسمح بتقديم مشروع متكامل للقانون الجنائي والمسطرة الجنائية، ولهذا، فإن التعديلات انصبت حول سد الثغرات التي ظهرت مع الممارسة، والحاجة إلى ملاحقة التطور المتسارع للجريمة، وهذا يتضح من خلال مطالعة 35 صفحة من التعديلات المقترحة، حيث انصبت حول تجريم أفعال جديدة، ولم ترفع التجريم عن أفعال قديمة أثبت الواقع أنها تحتاج إلى إعادة التعريف، أو إلى إخراجها من خانة الجرائم إلى خانة الجنح أو المخالفات، فباستثناء فصول قليلة حول فتح باب الحق في الإجهاض للضرورة، وفتح باب صغير للعقوبات البديلة، والتنصيص على بعض المقتضيات التي جاءت في الاتفاقيات الدولية التي وقعها المغرب حول تجريم التعذيب وغسل الأموال، فإن فلسفة قانون الجريمة والعقاب المغربي بقيت على حالها.
قانون يضع الدولة فوق المواطن، ويستعمل التجريم سلاحا شبه وحيد لتنظيم شؤون المجتمع، ويعطي القاضي مجالا واسعا لتكييف الجرائم، ولتأويل النصوص، ولإقرار العقوبات التي يراها، دون مراعاة لتطور المنظومة الجنائية الدولية، ولا لتطور فلسفة حقوق الإنسان، وفي قلبها الحقوق الفردية للمواطن الذي يعيش عصره.
عندما يطلع المرء على مجموع الإنتاج التشريعي لهذه الحكومة منذ جاءت إلى اليوم يتوقف عند جملة من الملاحظات أهمها:
أولا: جل القوانين التنظيمية والقوانين العادية، التي تكتسب بعدا ديمقراطيا أو سياسيا أو تدبيريا، جاءت دون سقف الدستور، ودون سقف البرنامج الحكومي، ودون سقف حتى خطاب رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، وكأن العقل التشريعي لهذه الحكومة «مختطف»، أو مكبل، أو لا يواكب المرحلة وانتظارات المواطنين، ويمكن أن نستدل بمئات الأمثلة على هذه الملاحظة، خذ مثلا القانون التنظيمي لعمل الحكومة، وكيف لم يعالج آفة تضارب المصالح لدى الوزراء وقد رأينا النتيجة، وخذ القانون التنظيمي للمؤسسات الاستراتيجية، وكيف توسع في لائحة المؤسسات التي يحق فيها للملك التعيين بطريقة تعيدنا إلى الملكية التنفيذية التي وضع نقطة نهايتها الدستور الجديد، وخذ مشروع قانون الحق في الوصول إلى المعلومات الذي يعد أكبر حاجز للوصول إلى المعلومات، وخذ مشروع قانون الصحافة الذي أقام جسرا رفيعا بين قانون النشر والقانون الجنائي لأول مرة في التاريخ المغربي، والآن التعديلات التي ستدخل على القانون الجنائي تجاهلت مطالب كثيرة للحقوقيين.
ثانيا: جل الإنتاج التشريعي لهذه الحكومة ظل مسكونا بسقف سياسي صغير جدا، وجل هذا الإنتاج خضع ويخضع لمفاوضات عسيرة مع حكومة الظل، أو مع من يمثلها في الإدارة، حيث ينشغل الوزراء كافة برأي «المخزن القانوني» وليس بانتظارات الشارع أو طموحات البرلمان، فتخرج القوانين عرجاء تفتقر إلى روح الدستور وإلى النفس الإصلاحي.
ثالثا: لم تختلف محنة الأغلبية البرلمانية مع هذه الحكومة عن المحن التي كانت تعيشها الأغلبيات البرلمانية مع الحكومات السابقة، حيث تتحول الأغلبية البرلمانية إلى أداة تصويت في يد الحكومة على مشاريع قوانينها.. آلة تشريعية بلا روح تقريبا في الموضوعات الحساسة التي لا توافق عليها النواة الصلبة للسلطة، حتى إن بعض الوزراء يستعينون بالكتل البرلمانية المعارضة لإسكات تحفظات بعض الأصوات القليلة في الأغلبية، وبذلك يفقد البرلمان دوره وروحه، ويصبح أداة للتصويت لا للتشريع
توفيق بوعشرين
الخبر السيئ

التعاليق (0)
التعاليق مغلقة.