سلطت جائحة كورونا الضوء على معاناة مجموعة من الفئات الهشة التي لا تتوفر على التغطية الصحية في المغرب، حيث وجدت هذه الأخيرة نفسها، خلال الفترات الأكثر انتشارا للوباء، في مواجهة المرض أمام ضعف الموارد المالية وانعدام فرص الشغل.
وتعد نعيمة، التي تشتغل كبائعة للخبز بأحد أسواق مدينة الدار البيضاء، واحدة من مئات المواطنات المغربيات اللواتي يُعِلن أسرا دون التوفر على شغل قار، وهو ما يجعلها عرضة للعديد من المخاطر.
وعن معاناتها خلال جائحة كورونا تحكي نعيمة: “لقد أصبت بفيروس “كوفيد-19″ مرتين، في يناير وفي أكتوبر2021، ولم أتمكن حينها من الحصول على العلاج نظرا لضعف مواردي المالية، وهو ما جعلني أكتفي ببعض الأدوية والفيتامينات المتاحة في الصيدليات”.
وأضافت نعيمة : “لقد توقفت عن العمل فترات متفرقة بسبب الحجر الصحي، فقمت بصرف جميع مدخراتي لتلبية حاجيات أبنائي من الأكل والدواء في مواجهة الوباء الذي اكتسح أسرتي الصغيرة”.
وتابعت قائلة : “لقد وجدت نفسي وحيدة في مواجهة المرض الذي اجتاح المغرب كباقي بلدان العالم، ولم أكن أتوفر على أي حماية اجتماعية، ذلك أنني كنت أبيع الخبز فقط، في حين أن التغطية الصحية كانت حكرا على الموظفين”.
ومن جهته يحكي التاجر بلقاسم الذي يملك دكانا صغيرا بمدينة أكادير عن معاناته مع المرض قائلا : “أعاني منذ سنوات من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، وهي أمراض مزمنة تتطلب مراقبة طبية مستمرة، حيث أزور الطبيب وأقوم بالكثير من التحاليل الصحية كل أربعة أشهر”.
وقال بلقاسم : “باعتبار أنني لست موظفا عموميا، ولا أشتغل في شركة خاصة، فهذا يجعلني لا أتوفر على تغطية صحية، وهو ما يضطرني لتحمل كافة تكاليف علاجي لوحدي، وأحيانا أتخلف عن موعد الطبيب من أجل توفير تكاليف الدراسة لأبنائي الصغار”.
هذا، وقد كان الحصول على تأمين صحي في المغرب، البالغ عدد سكانه نحو 36 مليونا، إلى حدود سنة 2021، حكرا على الموظفين والأجراء في القطاعين العام والخاص، وهو ما يجعل فئة من المهنيين ومزاولي الحرف التقليدية وكذا العاطلين عن العمل يعانون من صعوبة الولوج إلى الخدمات الاستشفائية خلال فترات المرض.
ومن أجل تدارك هذا الوضع، أطلق العاهل المغربي محمد السادس، يوم الأربعاء 14 أبريل 2021، مشروع تعميم الحماية الاجتماعية الذي يهدف إلى توفير تأمين صحي لنحو 9 ملايين مواطنا بدءا من هذا العام، على أن يشمل في مرحلة لاحقة 22 مليونا يعانون صعوبة الولوج للخدمات الطبية.
الفئات المستهدفة
يتم تنزيل مشروع الحماية الاجتماعية بالمغرب على أربعة مراحل، حيث تهم المرحلة الأولى تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض خلال سنتي 2021 و 2022، وذلك بتوسيع الاستفادة من هذا التأمين ليشمل الفئات المعوزة المستفيدة من نظام المساعدة الطبية، وفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يمارسون نشاطا خاصا، بحيث يغطي هذا التأمين تكاليف العلاج والأدوية والاستشفاء.
أما المرحلة الثانية من تعميم ورش الحماية الاجتماعية، فهي تخص توسيع قاعدة الاستفادة من التعويضات العائلية خلال سنتي 2023 و2024، وذلك من خلال تمكين الأسر من تعويضات للحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة أو من تعويضات جزافية.
أما المرحلة الثالثة لهذا المشروع، فهي تستهدف توسيع قاعدة المنخرطين في أنظمة التقاعد سنة 2025، لتشمل الأشخاص الذين يمارسون عملا ولا يستفيدون من أي معاش، من خلال تنزيل نظام المعاشات الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا.
وبخصوص المرحلة الرابعة لهذا الورش الملكي، فستهم تعميم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل سنة 2025، لتشمل كل شخص متوفر على شغل قار، من خلال تبسيط شروط هذا التعويض وتوسيع الاستفادة منه.
51 مليار درهم لتنزيل الورش الملكي
أكدت الحكومة المغربية أن تدبير ورش الحماية الاجتماعية في أفق سنة 2025 سيتطلب تخصيص مبلغ إجمالي سنوي يقدر بـ51 مليار درهم، منها 23 مليارا سيتم تمويلها من الميزانية العامة للدولة.
ويتطلب تنزيل هذا المشروع المجتمعي غير المسبوق، حسب الحكومة، تعديل مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية القائمة وإعداد أخرى جديدة، وإطلاق مجموعة من الإصلاحات الهيكلية التي تهم تأهيل المنظومة الصحية، وإصلاح نظام المقاصة، بما يمكن من معالجة الاختلالات على مستوى استهداف الفئات المستحقة للدعم موازاة مع تفعيل السجل الاجتماعي الموحد.
وإلى جانب ذلك، ترى الحكومة أن تنزيل هذا المشروع المجتمعي يتطلب تطوير الجوانب التدبيرية، وتلك المتعلقة بحكامة هيئات الضمان الاجتماعي، في أفق إحداث هيئة موحدة للتنسيق والإشراف على أنظمة الحماية الاجتماعية.
أبرز التحديات التي تواجه ورش الحماية الاجتماعية
كشف بنك المغرب في تقريره السنوي لعام 2021، عن مجموعة من الإكراهات التي مازالت تواجه ورش تعميم الحماية الاجتماعية، والتي ينبغي تجاوزها لإسراع تنزيل هذا الورش الملكي.
في هذا الإطار، أكد والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري أن “نجاح هذا الورش رهين بتعزيز الشفافية والالتزام القوي للسلطات المكلفة بتنفيذه”، مشيرا إلى أن “تحقيق أهداف هذا الورش يستلزم تعبئة موارد بشرية ومالية مهمة”.
وأوضح الجواهري أن “قدرة بعض المواطنين على المساهمة تبقى ضعيفة، كما أن هوامش ميزانية الدولة محدودة، إضافة إلى كون المشاريع الموازية، التي من شأنها أن توفر جزء من الموارد الضرورية، غير مكتملة إلى حدود اليوم”.
ومن أجل تجاوز هذه التحديات، أوضح المحلل الاقتصادي محمد جدري أن “الحكومة المغربية تراهن على تنزيل مجموعة من الإصلاحات الكفيلة برفع تحدي التمويل، من قبيل إصلاح صندوق المقاصة (صندوق مخصص للدعم الاجتماعي) وإصلاح النظام الجبائي، وكذلك إصلاح أنظمة التقاعد”.
وأبرز المتحدث ذاته أن “هذه الإصلاحات ستمكن من توسيع قاعدة المساهمين، وبالتالي ضمان ديمومة ورش الحماية الاجتماعية بالنسبة للأجيال المقبلة”.
إضافة إلى ذلك، ستعمل الحكومة، حسب جدري، على “تعبئة موارد ضريبية جديدة، كالمساهمة التضامنية التي تم إدراجها في قانوني المالية 2021 و 2022، والتي مكنت من تعبئة حوالي 5 مليارات درهم سنة 2021، وستتيح تعبئة حوالي 6 مليارات درهم هذه السنة، إلى جانب الضريبة الداخلية على الاستهلاك المفروضة على بعض المنتجات”.
وبالرغم من أن مشروع تعميم الحماية الاجتماعية لا يزال في مراحله الأولى، إلا أن عددا من شرائح المجتمع المغربي استبشرت خيرا بهذه المبادرة الملكية، فإلى جانب نعيمة والتاجر بلقاسم، هناك فئة عريضة من الحرفيين والمهنيين ومزاولي الأعمال الحرة وكذا المسنين والشيوخ الذين سيستفيدون جميعهم من تعميم الحماية الاجتماعية.