agadir24 – أكادير24 /سعيد الغماز-كاتب وباحث
هل هو مؤتمر حزب سياسي، أم عرس زواج أسطوري قام به مناضلو حزب العدالة والتنمية. الجموع التي أتت من ربوع المملكة المغربية، من طنجة إلى الكويرة، للاجتماع في قاعة كبرى ببوزنيقة، ارتادوا أفضل الثياب، ورتبوا مظهرهم الخارجي، لإبراز أناقة تليق بمكانتهم وموقعهم الاجتماعي، “الدَّنْيَا مْخَلْطَة، وَالوَاحَدْ هُوَ لِّي يَدْفَعْ كْبِيرْ وَسْطْ جَمِيعْ المَعْرُوضِينْ لِلْعَرْسْ”. النساء كذلك “مَا قَصْرُوا فِي لَبْسْ أَحْسَنْ تَكْشِيطَة، وَالتَّزَيُّنْ بِأَفْضَلْ دَبْلِيجْ وَمْضَمَّة دْيَالْ الذْهَبْ”.
لم يقتصر بذخ مؤتمر حزب العدالة والتنمية، على أناقة المظهر، بل تعداه إلى البذخ في المأكل والمشرب. فاستمتع ضيوف العرس، بأفخم المأكولات المغربية من “بَسْطِيلَة بَالْحُوتْ” و”اللَّحْمْ المَشْوِي”، والفواكه الاستوائية من مانجو وأناناس وباباي، وقبل ذلك “حَلْوَى كْلاَصِّي” كما أصبح معتادا في أعراسنا.
البذخ في عرس البيجيدي، جعل الضيوف يتنافسون في بذخ آخر. إنه التنافس في أحسن الهدايا المقدمة في العرس، وهي الهدايا التي أعلن عنها أصحاب العرس للتباهي بها.
بعض قادة الأحزاب السياسية، أدخلوا في قاموس السياسة مصطلح “عرس أسطوري”، وربما حزب العدالة والتنمية يريد منافستهم في عالم الأساطير هذا.
مع الأسف….. هذا ما نستنتجه من كتابات وتدوينات بعض المتتبعين للشأن العام، الذين تجاهلوا البعد السياسي للمؤتمر، وقيمة النقاش بين الأعضاء، والديمقراطية الداخلية التي سادت أجواء المؤتمر، وساروا يتحدثون في اللباس والمأكل و”مْضَمَّةْ الذْهَبْ” والقيل والقال.
هذا البعض، بمن فيهم أساتذة جامعيين وإعلامي وصحفي، أفضت بهم تحاليلهم بعد انتخابات 8 شتنبر إلى أن حزب العدالة والتنمية أصبح حزبا صغيرا جدا وانتهى سياسيا.
لكن هؤلاء الذين ينتحلون صفة المحلل السياسي، يهتمون بحزب العدالة والتنمية أكثر بكثير من اهتمامهم بالأحزاب الأخرى، علما أنهم يصفونها بالأحزاب الكبرى. وهو ما يجعل المتتبع في حيرة من أمر هؤلاء الذين انقلبت لديهم المفاهيم: اهتمام كبير بحزب يصفونه بالصغير، وغياب شبه تام للحديث عن أحزاب يصفونها بالكبيرة.
أثناء وبعد انتهاء المؤتمر التاسع لحزب العدالة والتنمية، تجند هؤلاء للكتابة وللتدوينات. ومن يقرأ تلك التحاليل، يذهب ذهنه إلى البذخ الذي أشرتُ له سابقا، وهو ما يعكس ابتعادهم عن الموضوعية في تناول الحدث.
لكن المثير للاستغراب هم هؤلاء الأساتذة الجامعيون، الذين يتنكرون لتكوينهن الأكاديمي، كلما كان حديثهم عن البيجيدي. وهو ما يسيء للأستاذ الجامعي وللتكوين الأكاديمي. فبدل الحديث عن النقاش السياسي الذي عرفه المؤتمر، وروح الديمقراطية المصحوبة بحرية التعبير، تجد الأستاذ الجامعي يتحدث لغة “التَّكْشِيطَة” و”الجْلاَّبِيَّة” و”مْضَمَّةْ الذْهَبْ” والمانجو والباباي والأناناس.
أعرف أن القارئ الكريم حين يقرأ العنوان، سيذهب فكره إلى هذا النوع من البذخ في الأعراس. فكم من مؤتمرات أحزاب، وحملات انتخابية، عرفت هذا النوع من البذخ بكل تجلياته.
لكن البذخ في قاموس حزب العدالة والتنمية، لم معنى آخر، وطعما مغايرا.
البذخ في مؤتمر حزب العدالة والتنمية، كان جليا في قاعة الإطعام التي يرتادها المؤتمرون عقب كل وجبة من الوجبات الثلاثة. لكنه ليس بذخا في طبيعة المأكولات المقدمة للضيوف، والكل يعرف صورة الغذاء “البطاطا والزيتون” التي انتشرت بشكل واسع على وسائل السوشيال ميديا. ووجبات الفطور لم تتعدى “أَتَايْ وَالكُومِيرْ وَالزَّبْدَة وَالكُوفِتِيرْ”. لم يكترث المؤتمرون لهذه الوجبات، بل شكروا أصحاب العرس على أنهم قدموا للضيوف الوجبات الثلاثة ولم يكونوا مضطرين للاكتفاء بوجبتين أو حتى وجبة واحدة.
صدقوني…لقد كان البذخ حاضرا في قاعة الأكل المخصصة للمؤتمرين. بعيدا عن “بْطَاطَا بْالزِّيتُونْ”، يتجلى بذخ الأكل في النقاشات التي سادت حول موائد الأكل، نقاشات سياسية اجتماعية وحتى فكرية وفلسفية. وبطبيعة الحال نقاش 8 شتنبر كان حاضرا، وفلسطين وغزة كانت هي الأخرى حاضرة.
لكن دعوني أكون صادقا معكم… فمؤتمر البيجيدي لم يخلو من “النشاط” الذي يسود عادة أعراسنا “غناء وموسيقى ورقص وطواف حول الجوق الموسيقي”. لكنه ليس نشاط الرقص وتحريك “الكْتَافْ” على نغمات “مَهْبُولْ أَنَا”. بل كان نشاطا بترديد نشيد وشعارات الحزب، والتفاعل مع الشعارات المتعلقة بفلسطين وغزة.
البذخ في مؤتمر البيجيدي، كان حاضرا في اللباس والظهور بأفضل مظهر. لكنه ليس مرتبطا “بِالتَّكْشِيطَة” وأفضل “جلباب أو رابطة عنق”. بل تجلى البذخ في تزين أغلب المؤتمرين بالعلم المغربي باللون الأحمر والنجمة الخضراء، وكوفية فلسطين إلى جانب العلم الفلسطيني.
نعم…”كُلْهَا وَالبَذْخْ دْيَالُو” لكن بذخ مؤتمر حزب العدالة والتنمية له طعم خاص، ونكهة برائحة الوطن وفلسطين.
أخيرا لا بد من الحديث عن البذخ في الهدايا المقدمة في العرس، حيث المنافسة كبيرة في تحديد من سيقدم أغلى وأثمن الهدايا. لكنها هدايا من نوع خاص. كل مدعو للمؤتمر ساهم من ماله الخاص، لتمويل المؤتمر. والبذخ يتجلى في التنافس حول من سيساهم بأكبر قدر مالي لإنجاح المؤتمر.
فهل تشاركونني هذا الاستغراب الغير مسبوق في جميع الأعراس، حتى تلك التي تحظى بلقب “عرس أسطوري”. يتجلى الاستغراب في كوني لأول مرة أرى أن المدعو للعرس يقدم هدية تفوق بكثير في ثمنها، ما يستمتع به الضيف من نشاط وبذخ في المأكولات.
لكن…حين عرفت أن العرس هو المؤتمر السابع لحزب العدالة والتنمية، سحبت استغرابي، فهذا البذخ أصيل في تاريخ الحزب.
“كُلْهَا وَالبَذْخْ دْيَالُو، هُنَاكَ بَذْخْ فِي تَحْرِيكْ الْكْتَافْ وَهُنَاكَ بَذْخْ فِي اْعْتِصَارْ الدّْمَاغْ”
التعاليق (0)