أكادير24 | Agadir24/ذ. بادرة محمد
الأدوار الروحية والسياسية والاجتماعية للأولياء
الاولياء والصلحاء يمدون مجتمعاتهم المحافظة ومؤسساتهم القبلية بالهياكل والمؤسسات الملائمة للنظام الاجتماعي العام، ويفسرون نسق القيم التي تخضع لها جماعة القبيلة فمثلا حين يتصارع رؤساء القبائل او ممثلي الاسر الكبيرة في غياب اي ادارة قانونية (حكم مركزي) او شرعية (سلطة دينية قائمة) لا يجدون غير الاحتماء بالزاوية او ضريح الولي او بحضرة الولي نفسه الذي يوفر للمتصارعين او المتقاضين المكان المقدس الذي يمكن هذه الاطراف المتصارعة من التلاقي والتحاور والقبول بالأحكام والتي لا تقبل الطعن او الشك.
- – انهم يوفرون المكان والضمانة الاخلاقية التي تمكن العشائر المتنازعة من الاجتماع والقيام بعمليات الصلح والتبادل والتجارة وحتى انتخاب رؤساء القبائل واعيانهم (انفلاس) ويحصل كل ذلك في مقر الزاوية وبجوار ضريح الولي الجد.. وهذا الضريح وما جاوره حرم لا يجوز التنازع في داخله.
- – انهم يوفرون وسائل الاقناع الاخلاقية وعناصر الوساطة التي تنتهي بتدوين العقود والاتفاقات والقبول بنتائج انتخاب رؤساء القبائل واكابرهم(امغارن – امزوارن- انفلاس)وان اختيار او تعيين او انتخاب امغار– اختار- انفلوس – امزال تحصل كلها داخل فضاء الزاوية او بجوار ضريح الولي – الجد وبحضور الولي الابن او الحفيد ولا يجوز لأي كان ان ينازع راي او حكم الولي ويوفر الولي ومريديه كل وسائل الاقناع العرفية والشرعية حتى يقبلها الجميع ويخضع لها الجميع.
- – انهم يحافظون على نظام الاعراف المحلية ويخضع نظام التحكيم لذى القبائل لمسطرة الفصل القانونية والشرعية تعتمد على القسامة في اليمين ويختلف عدد الشهود فيها حسب خطورة القضية (فالسرقة تستلزم شاهدين _ والاختطاف اربعة شهود _ قتل المرأة عشرون شاهدا_ قتل الرجل اربعون شاهدا) والقاعدة المتبعة تقتضي ان تحل المشاكل في عين المكان بين القبائل اذا كانت تتطلب اقل من عشرة شهود اما القضايا التي تتطلب عشرة شهود فاكثر فيتم البت فيها داخل حرم الولي وبحضوره او حضور اولاده.
الاولياء في سوس او في غيرها يقومون بدور هام على مستوى البنية السوسيو- سياسية المحلية ويضطلعون بوظائف رمزية ومسؤوليات روحية واخلاقية ولا ينازع احدهم دورهم ومقامهم لان الاولياء كائنات بشرية خاصة تحظى بالاحترام والتبجيل فاذا كانت سلطة (امغار) تقوم على العرض (بكسر العين) فان سلطة الولي تقوم على (البركة) وهي بمثابة اعتقاد يخول لبعض الكائنات والاشخاص قوة خارقة – من مصدر الهي- مما يجعلها تحظى بقيمة رمزية وبفعالية على مستوى الممارسات الاجتماعية الماورائية (جاموسR – JAMOUS ) لذا فان الاولياء هم اناس مغايرون للآخرين فالرؤساء (امزوارن – امغارن) اذا كانت القبائل تختارهم فان الاولياء يعزى مقامهم لاصطفاء رباني يباشرون مهامهم مدى الحياة وبالتوارث ويبقى اثرهم حاضرا ولو كانوا تحت التراب، انهم يمدون الجماعات والقبائل بالاستمرارية وبالهيكل القار والنسق المتكامل الذي يضمن للقبائل الاندماج داخل مجتمع اسلامي متسامح وبالتالي فما يقرره الولي يعكس “الارادة الالهية” اما ما تقرره القبيلة او الجماعة حتى وان كان يستلزم الاحترام حفاظا على عرف الاجداد فانه صادر عن البشر وقابل للتغيير.
الاولياء (اكرامن) يشكلون حجر الزاوية لنظام الاعراف المحلية ولنظام التحكيم عند كل القبائل وجاء في بحث انجزه كلنير وهارت ان الاولياء (اكرامن) يلعبون دورا مركزيا رغم وجودهم في مواقع هامشية بالنسبة للنظام القبلي اذ ان حضورهم هو الذي يعطي الطابع الرسمي لاهم احداث السياسة القبلية يعهد لهم بدور الوساطة وتنظيم المبادلات في مناطق اقامتهم ويضمنون شرعية السلطة (سلسلة المعرفة التاريخية – الأنثروبولوجيا والتاريخ – ترجمة عبد اللطيف الفلق وعبد الاحد السبتي – ص 36)
هكذا كان للولي دور حاسم وحازم في الصراعات الكبيرة والصغيرة ولا ينازع او يتنازع احد في وساطته ولو كانت اتية من سلط متجبرة ومهيمنة لان سلطة الوالي تقوم على البركة وهي (بمثابة اعتقاد يخول لبعض الكائنات او الاشياء قوة خارقة – من مصدر الهي- مما يجعلها تحظى بقيمة رمزية وبفعالية على مستوى الممارسات الاجتماعية الماورائية – ) جاموس R . JAMOUS – نفس المرجع السابق ص26
في حديثه عن قوة نفوذ الاولياء ومكانتهم السامية وشخصيتهم الاسطورية يقدم الباحث ارنست كلنير اسطورة بالغة الشهرة تروى في منطقة نفود زاوية احنصال ومما جاء فيها ان بطل الاسطورة او الرواية (سيدي محمد نوت بابا) وهو جد لسلالة فرعية شريفة تنتمي للزاوية الرئيسية (اذا صحت احداثها ربما وقعت حوالي نهاية القرن السابع عشر في عهد السلطان المولى رشيد ) وجاء في الرواية ان هذا الاخير ارسل الى الولي مبعوثا ليستفسر عن الطريقة التي مكنته من التقرب الى الخالق والتوصل الى تلك الدرجة الرفيعة من الولاية. ولقد ذهل مبعوث السلطان بما كشف عن الولي من الكرامات والكشوفات وعرضها على السلطان.
وفي المقابل طلب الولي من السلطان اطلاق سراح عدد من السجناء ينتمون لقبائل موالية له فرفض السلطان تلبية الطلب فثارت ثائرة الولي وقرر ان يعاقب عائلة السلطان بوسائله الخارقة فدق وتدا في الارض من نوع الاوتاد المعدنية المستعملة لربط الدواب وما ان دق الوتد في الارض حتى اعترت الدولة موجة من الاضطرابات انتهت بوفاة المولى الرشيد بل وقع ما هو اخطر حيث اعقبت وفاته حالة خطيرة من الفوضى وهو من النوع الذي كثيرا ما عرفه التاريخ المغربي.
ولما عجز المولى اسماعيل من اخماد تلك الفتن قصد الولي طلبا للنصيحة واقام بضعة ايام بالزاوية الكبرى لعرض حالته بعدما منح الولي اذنا صاغية لشكاوي السلطان واشار عليه بالحل …فعثر على الوتد وما ان اقتلعه من مكانه حتى وجد نفسه في مدينة فاس حيث بايعه عامة الناس. هذه الحكاية توحي بالكثير من الخوارق التي ترتبط بالولي واذا كان المنطق العقلي لا يسمح باستساغتها فإنها توحي بصورة عامة عن الاوضاع السياسية والاجتماعية في ذلك العصر وانخراط الاولياء في تدبير اوضاعها.
التعاليق (0)