كشف إدريس الأزمي الإدريسي، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عن تفاصيل اللقاء الذي جمع وزير الداخلية بقيادات تسعة أحزاب برلمانية، مؤكدًا أن الاجتماع مثّل لحظة سياسية بالغة الأهمية في مسار الإعداد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وجاء في سياق تنزيل التوجيهات الملكية السامية التي حملها خطاب العرش الأخير.
وأوضح الأزمي، خلال مداخلته في الاجتماع الاستثنائي للأمانة العامة، أن اللقاء الذي انعقد السبت الماضي بحضور وزير الداخلية وأطر وزارته، دام ساعة ونصف، وتميز بمداخلات مركزة لم تتجاوز خمس دقائق لكل حزب، وتركز النقاش فيه على التوجهات الكبرى للإصلاح السياسي، وفي مقدمتها ضرورة تعزيز الثقة في المؤسسات المنتخبة، ومواجهة مظاهر الفساد والعزوف السياسي.
وشدد المتحدث على أن الكلمة المكتوبة التي ألقاها وزير الداخلية تميزت بنبرة قوية ورسائل واضحة، أبرزها التأكيد ثلاث مرات على “التصدي الحازم والصارم لكل ما من شأنه أن يمس بحرية التعبير عن الإرادة الشعبية”، مشيرًا إلى أن هناك رغبة جادة وإرادة ثابتة في مواصلة بناء الصرح الديمقراطي وتعزيز المسار التنموي للبلاد.
وعدّد الأزمي سبعة محاور كبرى للعمل المستقبلي، وهي: تحيين اللوائح الانتخابية، وتخليق العملية الانتخابية، وتحفيز المشاركة، وعقلنة المشهد الحزبي، وتعزيز تمثيلية النساء والشباب، وتطوير وسائل الإعلام العمومي والتواصل، إضافة إلى الإعداد اللوجستيكي والاستباقي للانتخابات. واعتبر أن هذا البرنامج مفتوح على مقترحات الأحزاب، في أفق صياغة منظومة عامة متكاملة لتأطير الانتخابات قبل نهاية السنة الحالية، كما نصّ على ذلك الخطاب الملكي.
وأفاد الأزمي أن كل الأحزاب عبّرت عن انخراطها الإيجابي، لكنها لم تدخل في التفاصيل، في حين ركّز حزب العدالة والتنمية على ضرورة إجراء انتخابات نزيهة شفافة تفضي إلى مؤسسات تحظى بثقة المواطنين، مؤكدًا أن الصورة الحالية للمشهد السياسي، وما يرافقها من فضائح مالية واختلالات، لا تشرف البلاد ولا تعكس طموحاتها.
وانتقد الأزمي استمرار صمت رئيس الحكومة أمام ما يتم تداوله من شبهات حول المال السياسي وتضارب المصالح، مؤكدًا أن “رئيس الحكومة معني بشكل مباشر بهذه الاختلالات، ومن غير المقبول أن يظل صامتًا دون توضيح أو تفنيد”. وأضاف أن صمت المؤسسات عن هذه القضايا يُضعف الثقة العامة، ويُهدد نزاهة الاستحقاقات المقبلة.
وأشار المتحدث إلى أن الرهان اليوم ليس فقط في صياغة قوانين انتخابية، بل في استرجاع الثقة الشعبية من خلال نقاش سياسي حقيقي في الإعلام العمومي، وتعبئة جماعية ضد العزوف، وتحفيز المواطنين على التسجيل والمشاركة. وأكد أن الانتخابات المقبلة تأتي في سياق دقيق، داخليًا وخارجيًا، يرتبط بالقضية الوطنية والتحديات التنموية، وأن أعين العالم ستكون على المغرب، ما يتطلب مؤسسات منتخبة تحظى بالشرعية والمصداقية.
ودعا الأزمي إلى التعامل الجاد مع مسألة المشاركة السياسية، مشددًا على أن الأرقام المرتبطة بمستوى الثقة في المؤسسات المنتخبة “مقلقة جدًا”، وأن هناك فجوة متزايدة بين المواطنين وهذه المؤسسات، وهو ما يشكل خطرًا على التوازن الديمقراطي في البلاد.
وأعلن أن الحزب سينخرط، من خلال لجنة خاصة، في إعداد مذكرة مكتوبة ترفع إلى وزارة الداخلية قبل نهاية غشت الجاري، على أن يشهد شهر شتنبر المقبل جولة مشاورات ثنائية وجماعية بين الوزارة والأحزاب، بهدف إحالة المنظومة الجديدة على البرلمان في الدورة الخريفية.
وفي ختام مداخلته، شدد الأزمي على أن الديمقراطية لا تُبنى بالقرارات الإدارية وحدها، بل بحاجة إلى إرادة سياسية ومشاركة شعبية حقيقية، معتبرًا أن مواجهة المال الانتخابي وتخليق الحياة السياسية تبدأ من احترام صوت المواطن، وأن الإعلام العمومي مطالب اليوم بلعب دوره كاملاً في تأطير النقاش السياسي، بدل الاقتصار على الرسائل التحسيسية الشكلية.