في سياق النقاش الوطني الدائر حول حماية المال العام وضمان شفافية تدبير العقار العمومي، تفجّر بمدينة إنزكان ملف مثير للجدل، ارتبط بتفويت عقار كان مخصصاً لإنشاء مؤسسة تعليمية، قبل أن يتحول في ظرف وجيز إلى مشروع تجاري ضخم، في عملية أثارت شبهة تضارب المصالح واستغلال النفوذ.
وبحسب معطيات موثوقة حسب مصادر إعلامية مطلعة، فإن العقار المعني، الذي تتجاوز مساحته 4600 متر مربع، كان مصنفاً ضمن المرافق العمومية المخصصة للتعليم، غير أنه جرى تفويته في ظروف مثيرة للانتباه بثمن اعتبر متدنياً مقارنة بالقيمة السوقية الحقيقية، ودون أن يسبقه أي تعديل في تصميم التهيئة، وهو ما يعني أن العقار ظل رسمياً يحمل الصبغة التعليمية.
بعد سنوات قليلة، أعيد بيع العقار نفسه بثمن مضاعف عدة مرات لفائدة شركة حديثة التأسيس تعود ملكيتها إلى أطراف لها ارتباطات عائلية وإدارية بشخصيات نافذة محلياً. المفارقة أن هذا البيع تزامن مع تعديل تصميم التهيئة لمدينة إنزكان، إذ تم تجريد العقار من صبغته التعليمية ومنحه ترخيصاً للاستغلال التجاري، قبل أن يحصل المالكون الجدد في ظرف وجيز على رخصة بناء لمشروع استثماري متكامل يتكون من مركز تجاري ومكاتب وتجهيزات صحية، يمتد على خمسة طوابق، رغم أن المنطقة كان مسموحاً فيها في السابق بثلاثة طوابق فقط.
المصادر نفسها اعتبرت أن وجود أسماء مرتبطة بشكل مباشر بمسؤولين إداريين في قلب هذه الصفقة، يضع الملف في خانة تضارب المصالح، خصوصاً أن وزارة الداخلية، بصفتها الجهة الوصية على الجماعات الترابية والضامنة لاحترام مساطر التعمير، تجد نفسها معنية مباشرة بهذا الجدل، بما يثير التساؤلات حول حياد القرار الإداري.
الأخطر أن هذه ليست الحالة الوحيدة، حيث تشير معطيات أخرى إلى أن الصيغة نفسها استُعملت في صفقات عقارية مشابهة داخل نفوذ ترابي مجاور، إذ تم تفويت عقارات مخصصة للمرافق العمومية وتحويلها إلى مشاريع تجارية وسكنية، ما يعزز فرضية وجود منهجية متكررة تستغل ثغرات التعمير لتحقيق مكاسب خاصة.
خطورة ما يجري لا تقتصر على ضياع مرفق تعليمي كان من شأنه خدمة ساكنة إنزكان، بل تتجسد أيضاً في تكريس نموذج مقلق من استغلال العلاقات العائلية والمناصب الإدارية للتربح من الملك العمومي، وهو ما يستدعي – وفق متتبعين – فتح تحقيق شامل في ملف هذا العقار وتفويته، والتدقيق في مساطر تغيير التهيئة ورخص البناء، مع توسيع نطاق التدقيق ليشمل صفقات مشابهة أخرى.
الكرة الآن في ملعب الجهات الرقابية والقضائية، وفي مقدمتها وزارة الداخلية، من أجل إعمال مبدأ المحاسبة وصون الملك العمومي، لأن استمرار مثل هذه الممارسات يهدد ثقة المواطن في المؤسسات ويطرح أسئلة جوهرية حول نزاهة القرار الإداري وقدرته على حماية المصلحة العامة.
التعاليق (0)