عمر أوزكان: إطار تربوي، وناشط أمازيغي.
لقد فجر إعداد إستعمالات الزمن وجداول الحصص بالسلك الإبتدائي بمديرية التعليم بتيزنيت نقاشا ساخنا في الأوساط التعليمية، سرعان ماتحول لحرب إدارية ضارية، خلفت الكثير من ضحايا التعسف، والشطط في استعمال السلطة. وقد سُخرت فيها عناصر ضعيفة الكفاءة من هيئة التأطير والمراقبة التربوية كرأس حربة، في استغلال فج لموقعها الوظيفي، للنيل من هيئة التدريس. موظفة أساليب ملتوية، ولغة عدوانية، مليئة بالتهديد، والوعيد، لفرض وجهة نظر خاطئة قانونيا، مما خلف استياء، وتوثرا مزمنا، خيمت قتامته على المنظومة التربوية، ونالت منها طيلة المواسم الدراسية الثلاث الأخيرة. واستغل رؤساء المؤسسات التعليمية هذه المناسبة للتنصل من مسؤوليات يمارسون أغلبها بجهالة، فيما استغلت المديرية الإقليمية الحدث بسوء نية، لتصفية حساباتها الإيديولوجية المزمنة مع الكثير من أطر هيئة التدريس، وفي طليعتهم أساتذة اللغة الأمازيغية.
ويرجع الأصل في إشعال فتيل هذه الحرب الضروس، التي تخوضها المديرية الإقليمية، إلى افتعال ممثل هيئة التفتيش بالسلك الإبتدائي بالمجلس الإقليمي لتنسيق التفتيش (م.ق) الأزمة، بتنسيق مع الكاتب الإقليمي لنقابة المفتشين بتيزنيت، الذي نظم في بداية هذا الموسم الجمع العام لهيئته بقاعة الإجتماعات بمقر المفتشية الإقليمية، في سابقة اهتزت لوقعها الساحة التعليمية بالمغرب، وفضحت حجم التواطؤ. وقد نجح هذا الأخير تحريض زملاءه المفتشين المتخصصين بالعربية بكل من المنطفة التربوية الأولى(مقاطعتي التفتيش 01 و03)، والمنطقة التربوية الثانية(مقاطعة التفتيش رقم1)، إسوة بزملاءه المتخصصين بالفرنسية بالمنطقتين التربويتين الأولى والثالثة، والمنطقة التربوية الثانية (مقاطعة التفتيش رقم 01)، وتوجيههم للإنخراط في حملة إجبار أطر هيئة التدريس تحت التهديد، والوعيد، على إعداد استعمالات الزمن وجداول الحصص.
وما زالت تداعيات هذه الحرب مستمرة بالكثير من المنتديات بمواقع السوشيال ميديا، والتي وصفها المتتبعون بالخبيثة، والقذرة. واستنزفت أطوارها نفسية أطر هيئة التدريس بتيزنيت، ووصل صدى موجاتها لقبة البرلمان، بعدما التقط البرلماني حسن أومريبط عن حزب التقدم والإشتراكية الإشارات، في محاولة منه لنزع فتيل هذه الأزمة، وطرح بقوة، وجرأة، سؤالا على الوزير شكيب بن موسى، أكد فيه أنَّ كثرة المتدخلين في إعداد استعمالات الزمن، يجعل الإيقاع الزمني للتمدرس مرتبكاً وجد معقد، ومشوباً بنقائص تؤثر سلباً على التلاميذ في المقام الأول، منبها الوزير إلى الجدل العقيم والمُربِك الذي يصاحب إعداد، واعتماد نماذج استعمالات الزمن المدرسية عند كل دخول دراسي.
ومن الناحية القانونية، تكتسي استعمالات الزمن أهمية كبرى، باعتبارها أهم وثيقة مرجعية تعاقدية، متجددة، تنظم العلاقة بين المؤسسات التعليمة والأسر، وبين الأستاذ ومختلف مستويات البنيات الإدارية لقطاع التعليم، من مدير المؤسسة، وهيئة التفتيش والتأطير والمراقبة التربوية، والمديرية الإقليمية…حتى الوزير. وتحدد فيها أوقات الدخول والخروج، وتبين برمجة المكونات المدرسة خلال الأسبوع ومددها، وحصصها. ويخضع إعدادها إلى التقيد بضوابط تربوية صارمة حددها المنهاج الدراسي للتعليم الإبتدائي. ومنها جعل مصلحة المتعلم فوق كل اعتبار، وتأمين زمن التعلم باعتباره من حقوقه… كما تخصع لمجموعة من المبادئ، كمراعاة الإيقاعات البيولوجية والعصبية الكفيلة بالنمو السليم للمتعلم، والتخطيط للتعلم وفق نسق دقيق في إرساء التعلمات وبناء الكفايات… ويتم اللجوء إليها، والاحتكام لها في حالات كثيرة، كالمراقبة التربوية، والحوادث، والنزاعات…
وأمام هذه الحرب العقيمة والخبيثة أخلاقيا وإداريا حسب المتتبعين، انفضح المستوى المتدني مهنيا للمنخرطين فيها. بدءا بمن خطط لها بدناءة (الكاتب الإقليمي لنقابة المفتشين بتيزنيت)، ومن نسق تنفيذ أجندتها بخسة، واتخاذ ذلك سبيلا لنيل رضا مركز القرار الإقليمي، خصوصا رأس الحربة (المفتش التربوي (م.ق) الممثل الوحيد منذ مدة طويلة لهيئته بالمجلس الإقليمي لتنسيق التفتيش)، والذي استنزف أطر هيئة التدريس بالمنطقة التربوية الأولى -مقاطعة التفتيش رقم 01-، مما اضطرهم إلى الامتثال لعنترياته المخالفة للضوابط القانونية المؤطرة لإعداد استعمالات الزمن اتقاء لشره. وقد بلغ به التمادي حد التغريد خارج السرب، عندما طلب من الأطر المكلفة بتدريس الفرنسية بالمستوى السادس مده بنماذج امتحانات إقليمية، مخالفا بذلك المسطرة المعتمذة إقليميا في الصدد.
وفي هذا السياق المتسم بالتشنج، والاحتقان، والإحباط، والضغينة، والانحراف، والشطط في استعمال السلطة، وجب تنبيه القائمين على الإدارة جهويا -بسوس-ماسة-، ووطنيا، والضمائر الحية بهيئة التفتيش والتأطير والمراقبة التربوية، جهويا، ووطنيا، إلى أن المادة 15 من المرسوم رقم: 854-02-2، الصادر في 8 ذي الحجة 1423 ( 10 فبراير 2003) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، حصرت مهام المدرس وأدواره في مهمتي “التربية والتدريس والتقويم التربوي”، وهو ذات المقتضى الذي يؤكده تقرير المجلس الأعلى للتعليم لسنة 2008 بتنصيصه في الصفحة 17، على أن مهام المدرس تتمثل في: “نقل المعارف، والمهارات، ومناهج التعلم، والقيم الوطنية والكونية، وكذا تطوير القدرات الشخصية، لأكبر عدد من التلاميذ في أحسن الظروف…”
كما أن الدعامة الثامنة من الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الخاصة باستعمالات الزمن والإيقاعات المدرسية والبيداغوجية، قد فضحت ضعف، وعقم إدارة التعليم بتيزنيت وأذنابها، وأدواتها، خصوصا مفتعلي حرب استعمالات الزمن، حيث ورد في الفقرة (ه)ـ: “يحدد التوقيت المدرسي اليومي والأسبوعي من لدن السلطة التربوية الجهوية وتبعا لمسطرة محددة وواضحة”، مما يعني أن إعداد استعمالات الزمن ليس مهمة موكولة للمدرس، وإنما هي من صميم مهام الإدارة التربوية، على أساس عرضها على المجلس التربوي قصد إبداء الرأي بشأنها، وهو المقتضى الذي نصت عليه المادة 23 من المرسوم رقم 2.02.367 الصادر في 6 جمادى الأولى 1423(17 يوليو 2002) بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي، والتي جاء في منطوقها أن المجلس التربوي تناط به المهام التالية: “… إبداء الرأي بشأن …واستعمالات الزمن. ولما كانت مهام المدرسين واحدة وموحدة بمختلف أسلاكهم، فإن المادة 13 من المرسوم السابق وضحت أن إعداد جداول الحصص واستعمالات الزمن مهمة ملقاة على عاتق الإدارة التربوية.
وفي سياق متصل، فقد نصت الفقرة الرابعة من المذكرة الوزارية عدد 084/21 بتاريخ 30 شتنبر 2021، المتعلقة بـــ”ترتيبات إدراج أنشطة الحياة المدرسية ضمن الزمن المدرسي”، على”…وتدرج الساعات المخصصة لأنشطة الحياة المدرسية في جداول الأساتذة الذين تستجيب برامج عملهم للأولويات المسطرة في مشروع المؤسسة المصادق عليه من طرف الجهات المختصة. كما تخضع هذه الساعات بعد المصادقة عليها من طرف مجلس التدبير، للمواكبة والتتبع والتقييم، سواء من طرف هذا المجلس أو هيئة التأطير والمراقبة. وينبغي على الإدارة التربوية للمؤسسات التعليمية، عند وضعها لاستعمالات الزمن الخاصة بالتلاميذ وجداول حصص الأساتذة مراعاة ما يلي…”.
كما أكد المشرع التربوي ذلك، ووضحه في المذكرة رقم 22/061 بتاريخ 19يوليوز في شأن الاستعداد للدخول المدرسي للموسم الدراسي 2022-2023، في الفقرة الثانية من المحور الثالث المتعلق بـــ”تدبير الموارد البشرية” التي ورد بها: “ولضمان التنزيل الأمثل لخارطة الطريق برسم الموسم الدراسي المقبل (2022–2023)، الخاصة بــ”إعداد جداول الحصص”: على ما يلي:…- إعداد جداول الحصص واستعمالات الزمن باعتماد منظومة مسار مع الحرص على إسناد حصة أسبوعية كاملة لجميع الأستاذات والأساتذة…” ويتضح من ذلك أن المشرع التربوي لم يسند هذه المهمة للمدرسين، وإنما أوكل هذا الاختصاص للإدارة، لا سيما حينما ربط إعداد استعمالات الزمن باعتماد منظومة مسار، والحال أن خيار إعدادها غير متاح للمدرسين في حساباتهم على ذات المنظومة، وإنما هو خيار حصره المشرع بيد الإدارة التربوية.
ولم يغفل المشرع التربوي الدور المحوري للمفتشين التربويين، بل أفرد لهم اختصاصا نوعيا، يكمن في المصادقة على استعمالات الزمن وجداول الحصص، باعتبارهم أهل الاختصاص حصرا، لامتلاكهم الخبرة والدراية للبث في ذلك. إذ بدون ذلك، لا تكتسب استعمالات الزمن وجداول الحصص أي أثر قانوني. حيث نصت المذكرة الوزارية 2156×2 التي أصدرها الوزير الوفا بتاريخ 04 شتنبر 2012 في شأن إعداد استعمال الزمن وفق التوقيت اليومي، والتي ألغت المذكرة الوزارية 122 على :”… وتتم بلورة الصيغة الأنسب، والأنجع من طرف السيد مدير المؤسسة، ومناقشتها داخل مجلس التدبير، والمصادقة عليها من قبل المفتشين التربويين…” وهي بذلك تزيل كل لبس عن دور كل طرف، من الإعداد حتى المصادقة عليها.
وأمام تسارع الزمن الإداري والتربوي، دون تحقيق نتائج مشرفة في المواسم الدراسية الثلاثة الأخيرة بتيزنيت، نتيجة الإنغماس في مسرحيات إدارية سيئة الإخراج، تبادلت فيها أطراف ضعيفة الكفاءة والتكوين من هيأة التأطير والمراقبة التربوية، الأدوار مع أطرف إدارية شاردة، منتهية الصلاحية، ماتسبب في تآكل المنظومة داخليا، ومراكمة منزلقات تدبيرية خطيرة، ضاعت بسببها الكثير من الفرص، وتحولت على إثرها المنظومة التربوية لحلبة للمصارعة الإدارية الحرة، لتصفية الحسابات الإيديولوجية المزمنة. وزع خلالها المدير الإقليمي بشكل عشوائي عشرات رسائل إثارة الإنتباه غير القانونية…، نال منها أساتذة اللغة الأمازيغية حصة الأسد، في غياب تام للحكامة التربوية، وفي تناقض صارخ مع الأدوار الحقيقة للمنظومة التعليمية، باعتبارها أداة أساسية للتنمية الشاملة، وإعداد الأجيال القادمة، وتعزيز قيم المواطنة والعدالة الاجتماعية، وتعزيز التكوين المستمر لتحسين جودة التعليم، وتطوير المجتمع…
إن ما يقرره وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة محمد سعد برادة ومن سبقه والكوادر المساعدة في الرباط، لا يجد له آذانا صاغية في مديرية التعليم بتيزنيت، بدليل أن الكثير من جداول الحصص غير مصادق عليها (أزيد من 30 بالسلك الثانوي التأهيلي، 35% بالسلك الثانوي الإعدادي، و21% بالسلك الإبتدائي) فيما لم يصادق المفتش التربوي م.ق الممثل لهيئته بالمجلس الإقليمي لتنسيق التفتيش عليها إلا عند متم شهر أبرايل، على الرغم مما تتضمنه من منزلقات بيداغوجية، تفضح درجة التخلف، والتأخر، وعدم مواكبة المستجدات، مما ينذر، ويهدد بشكل جدي بما سيطال مؤسسات الريادة التي سيشرف عليها الموسم المقبل، من ارتجالية، وعشوائية وعبث بالأنشطة الاعتيادية كإدراجها باستعمالات الزمن وعدم تكييفها مع مستجدات الريادة.
ويؤكد هذا العبث أن ما تقدمه مديرية تيزنيت من أرقام ومعطيات فاقد للمصداقية، وهو مايعيش على إيقاعه ورش التربية الدامجة بالإقليم، ومحور تنفيذ التكوين المستمر، إذ مازالت مديرية تيزنيت متأخرة في تكوين الدفعة الجديدة من الأساتذة المزدوجين الراغبين في تدريس الامازيغية، وغيرها من تكوينات برامج خارطة الطريق 2022-2026، خصوصا بعد إحداث منصب المكلف اقليميا بالتكوين المستمر تحت المقاس، وإسناده بمنطق المحسوبية للهارب من ملفات مصلحة الشؤون القانونية (ع.ص).
وقد طغت سياسة التضليل واعتمدت للتأثير على الرأي العام، والسلطة الترابية -عامل إقليم تيزنيت-، والشركاء، وأكاديمية سوس-ماسة، والوزارة، وذلك بخلق وتسويق إنطباع أن المنظومة التعليمية بتيزنيت تنعم بالحكامة، والنجاعة، والجودة، والفعالية، وتحقق المؤشرات بشكل باهر، وحقيقة حالها عكس ذلك، بسبب انشغال من يتوجب عليه الحرص على تطبيق توجيهات الوزارة في تنزيل مشاريع خارطة الطريق 2022-2026 بسلاسة ونجاح، بأمور تافهة، والاجتهاد في التكثيف من أساليب التضليل، ومكيجة واجهة التدبير، وذلك من خلال إمطار الصفحة الفايسبوكية للمديرية الإقليمية بعشرات المنشورات التواصلية الهزيلة المعنى، والضعيفة المبنى، مرفقة بوابل من الصور المنمقة، لإخفاء المشاكل الحقيقية المؤرقة، لتبقى المنظومة التعليمية بالإقليم تحت وطئة الاحتقان، وتعثر تنزيل البرامج التحويلية لخارطة الطريقة 2022-2026.
إن ما بلغته مديرية التعليم بتيزنيت من عجز، وإهمال للمشاكل الحقيقية للمنظومة التعليمية، هز ثقة الفاعلين، والشركاء، وحول قطاع التعليم بتيزنيت لبؤرة ميؤوس من تعافيها. استأسد فيها الفشل في التخطيط، وسيطر على بنيتها نزيف ريع التكليفات، التي تدار خارج الضوابط القانونية، فضحته موجات تكليفات مشبوهة انتصرت للمحسوبية والزبونية، مما أحدث شرخا ضرب في العمق استقرار الأطر التربوية، ونال من الاستمرارية البيداغوجية، والمردودية، وسبب ضياع الأولويات، وتدنت نتيجة لذلك الكثير من المؤشرات، فيما تعلم آلة التضليل بكامل طاقتها على تضخيم الأرقام المقدمة للسلطات الترابية، والأكاديمية، والوزارة ، مما يؤجل انكشاف ضعف باقي المؤشرات إلى حين، وينذر باقتراب، ودنو موعد طفو كوارث جسيمة ستلحق لا محالة المنظومة التعليمية بتيزنيت بركب فضائح جامعة ابن زهر.
التعاليق (0)