سعيد الغماز/
استقالة عبر الفايسبوك…هكذا أصبح الواقع الحزبي في بلادنا، وهكذا أصبح المشهد السياسي. استقالة الفايسبوك لا تخص عضوا عاديا في حزب عادي، بل هي ترتبط بقيادي حزبي وعضو أمانته السابقة، ووزير سابق وقيادي في حزب ترأس الحكومة لولايتين متتاليتين في سابقة هي الأولى من نوعها في البلاد. من حق أي منتمي لهيئة سياسية أن يستقيل منها وقت ما شاء، لكن الاستقالة تقدم لهيئات الحزب وليس عبر الفايسبوك. لذلك نعتبر أن استقالة الوزير السابق عبر الفايسبوك لها دلالات حزبية وسياسية.
عبد القادر عمارة هو قيادي في حزب العدالة والتنمية، ويصنف من قياديي الصف الأول الذين ساهموا في التجربة السياسية لحزب البيجيدي. والمعروف عن حزب العدالة والتنمية تشبثه بالمؤسسات واحترام المساطير والتزامه بالديمقراطية الداخلية. الوزير السابق يعرف جيدا أن الاستقالة من الحزب تقدم لمسؤول الهيئة المجالية التي يتبع لها. هذا ما تقوله مساطر الحزب التي أشرف عليها بنفسه عبد القادر عمارة بصفته عضو الأمانة العامة السابقة. لكنه أضحى أول من يخرق هذه المساطر التي أشرف عليها. فلماذا الاستقالة عبر الفايسبوك؟
من الناحية الفعلية، عبد القادر عمارة هو مستقيل من الحزب منذ أكثر من سنتين، مباشرة بعد الاستقالة الجماعية للأمانة العامة للحزب بعد انتخابات 8 شتنبر 2021. فمنذ هذا التاريخ لم يعد للرجل أي وجود في الساحة السياسية ولم نسمع له أي موقف سياسي كمسؤول حزبي. لذلك، تعتبر استقالة عمارة لا قيمة لها بالنسبة للحزب، كما أنها بدون أثر يذكر في الساحة السياسية التي انسحب منها المعني بالأمر. إذا اختار السيد عمارة طوعيا هذا التوجه بانسحابه الهادئ من السياسة، فمنطق السياسة يضعه في خانة الاختيارات التالية: تجميد عضويته في الحزب-تقديم استقالته رسميا للهيئة المجالية التي يتبع لها لإعطاء صورة راقية للعمل الحزبي-وأخيرا الانسحاب بهدوء من الساحة السياسية كما فعل خلال السنتين الماضيتين، بعد تقديم الأمانة العامة السابقة استقالتها الجماعية.
لكن عوض هذا الاختيارات المنسجمة مع منطق السياسة القائمة على المبادئ وليس المصالح، اختار الوزير السابق إعلان استقالته عبر الفايسبوك ليكرس المستوى المتدني الذي وصل إليه السياسيون، وليعكس البؤس الحزبي الذي وصل إليه قيادي حزبي ومسؤول حكومي سابق.
أن يغيب المسؤول الحزبي لأكثر من سنتين عن الساحة الحزبية، ولا يصدر منه أي موقف سياسي من الأحداث التي تعرفها السياسة في البلاد، ليكون أول خروج له بعد هذه المدة الطويلة بإعلان الاستقالة عبر الفايسبوك، هو سلوك متدني في التعامل مع الشأن السياسي، وهو كذلك رسالة سلبية للحقل السياسي من مسؤول حزبي بلع لسانه وكأنه لم يكن يوما ما مسؤولا سياسيا. علما أن السيد عمارة لم يعلن اعتزاله العمل السياسي رغم غيابه الطويل عنه، وهو ما يفتح الباب أمام التأويلات التي لم تنتظر طويلا، حيث بدأنا نسمع عن توجهه للانضمام لحزب يُعتبر الغريم التاريخي للبيجيدي. من الخطأ اعتبار استقالة السيد عمارة مرتبطة بالبيان الأخير للأمانة العامة، أو بالنقاش المتعلق بربط الزلزال بالعقاب الإلهي. فلو كان الأمر كذلك، لسلك القيادي الحزبي المساطر المعمول بها في الحزب بخصوص الاستقالات، وهو ما أكده الأمين العام للحزب السيد عبد الإله بنكيران الذي صرح لمنبر إعلامي أنه لم يتلقى رسميا أي استقالة من السيد عمارة. فالاستقالة عبر الفايسبوك هي رسالة لجهة ثانية مفادها أن السيد عمارة لم تعد تربطه أي صلة بحزب العدالة والتنمية، وأنه طوى نهائيا تلك الصفحة، ليفتح المجال لشخصه، بالدخول في غمار جديد، قد يكون سياسيا أو منصبا ساميا أو شيئا آخر. لا نريد أن نبالغ في التأويلات لكن الأيام القادمة كفيلة بإعطائنا الجواب.