وجّهت رئاسة النيابة العامة منشوراً إلى الوكلاء العامين للملك بمحاكم الاستئناف ووكلاء الملك بالمحاكم الابتدائية، وذلك في إطار تنزيل مستجدات القانون رقم 03.23 المتعلق بتعديل قانون المسطرة الجنائية، دعت فيه إلى توحيد طرق تدبير الأبحاث الجنائية، خاصة ما يرتبط بإصدار مذكرات البحث وإلغائها.
ويرتكز هذا المنشور على رؤية تشريعية جديدة تهدف إلى ضبط مسطرة البحث، وتحقيق مزيد من الشفافية، وتجنّب أي تعسف أو تمديد غير مبرر لمذكرات البحث، التي كانت تثير عدة إشكالات عملية في السابق.
وأكدت رئاسة النيابة العامة أن القانون 03.23 جاء لأول مرة بقواعد دقيقة وواضحة لتنظيم مذكرات البحث، بعدما كان تدبيرها يخضع لاجتهادات متعددة. ووفق هذه المستجدات، لم يعد ممكناً نشر مذكرة البحث إلا بأمر صريح من قاضي النيابة العامة، شريطة أن تكون الأفعال موضوع البحث جناية أو جنحة معاقباً عليها بعقوبة سالبة للحرية، أو أن يتعلق الأمر بتنفيذ مقرر قضائي ينص على عقوبة حبسية، أو في سياق تنفيذ الإكراه البدني.
وتُعد هذه المقتضيات الجديدة خطوة أساسية لتعزيز ضمانات الأفراد، بالنظر إلى أن مذكرة البحث تُعتبر من أكثر الإجراءات القضائية تأثيراً على حرية الأشخاص وسمعتهم، ما يستوجب أن تتم وفق ضوابط قانونية واضحة وتحت رقابة صارمة من النيابة العامة.
كما أوضح المنشور أن القانون حدّد بشكل صريح حالات إلغاء مذكرة البحث، حيث تُلغى بقوة القانون بمجرد إلقاء القبض على الشخص المبحوث عنه، أو بتقادم الجريمة أو العقوبة موضوع المذكرة. كما أوجب على النيابة العامة إشعار مصالح الشرطة القضائية فوراً بقرار الإلغاء، سواء بشكل تلقائي أو بناءً على طلب من الجهة المعنية، ضماناً لتصحيح وضعية الأشخاص ومنع أي مساس غير قانوني بحريتهم بعد زوال مبرر البحث.
وشددت رئاسة النيابة العامة على أن مسؤوليتها لا تتوقف عند إصدار مذكرات البحث، بل تمتد إلى تتبع مآلها وضمان تنفيذها بشكل سليم، بما في ذلك مراقبة جميع الإجراءات المرتبطة بها، ومنع أي استعمال غير مشروع لهذا الإجراء، خاصة في ظل تطور وسائل التعقب والتواصل الإلكتروني.
وأكد المنشور أن هذه المستجدات لا تُعتبر مجرد تعديلات تقنية، بل جزء من رؤية أوسع لتحديث السياسة الجنائية والرفع من جودة الأبحاث، وتكريس مبادئ عدالة جنائية عصرية قائمة على الشفافية والدقة وضمان حقوق الأفراد. كما تندرج ضمن ملاءمة التشريع الوطني مع الالتزامات الدستورية والدولية التي تشدد على صون الحرية الفردية واحترام قرينة البراءة.
وبذلك، تشكّل القواعد الجديدة المنظمة لمذكرات البحث تحوّلاً مهماً في مسار الممارسة القضائية بالمغرب، إذ تمنح النيابة العامة أدوات أوضح وأشد صرامة للتحكم في هذا الإجراء الحساس، مع تعزيز حماية الأفراد والحد من أي تجاوزات محتملة، في خطوة تعكس إرادة حقيقية لتحديث منظومة العدالة وتعزيز الثقة في المؤسسات القضائية.


التعاليق (0)