بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
مرة أخرى، يثبت المغرب قدرته على تحويل مدنه الجنوبية إلى فضاءات للنقاش الاقتصادي الدولي، ومراكز إشعاع قاري ودولي. فمدينة الداخلة، درة الجنوب المغربي، احتضنت مطلع الأسبوع الجاري الدورة الخامسة للمنتدى الاقتصادي «أيام الأعمال الإفريقية – Africa Business Days»، تحت شعار بليغ: «الداخلة، منصة للتقارب بين الشمال والجنوب وجنوب-جنوب: نحو فضاء جديد للاستثمار الإفريقي الأطلسي».
الحدث، الذي تزامن مع الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، لم يكن مجرد منتدى اقتصادي، بل رسالة قوية تؤكد أن المغرب في صحرائه، وصحراؤه في قلب إفريقيا والمحيط الأطلسي، وأن المدن المغربية من طنجة إلى الكويرة صارت تحتضن المنتديات الدولية بثقة واستقرار واحترافية يشيد بها الجميع.
- ريادة مغربية متجددة وثقة دولية راسخة
تنظيم المنتدى من طرف الغرفة الإفريقية للتجارة والخدمات بشراكة مع مجلس جهة الداخلة وادي الذهب والغرفة الفرنسية للتجارة والصناعة بالمغرب، يجسد الثقة الدولية المتنامية في المغرب كفاعل استراتيجي في القارة.
فالمملكة، بفضل الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، استطاعت أن تترجم سياسة التعاون الإفريقي إلى مشاريع ملموسة في مجالات الاستثمار والبنيات التحتية والطاقات المتجددة والرقمنة.
وأكد رئيس الغرفة الإفريقية للتجارة والخدمات، السيد عبد المنعم فوزي، أن الداخلة أصبحت اليوم منصة محورية تربط منطقة الساحل والمجال الأطلسي والفضاء الأورو-متوسطي، مضيفاً أن الغرفة تعمل على بناء جسور اقتصادية وبشرية بين الدول الإفريقية وتشجيع التصنيع المشترك وتعزيز التنافسية الاقتصادية للقارة.
هذا الإشعاع لم يأت من فراغ، بل هو ثمرة رؤية ملكية واضحة جعلت من التعاون جنوب-جنوب خياراً استراتيجياً، ومن الجهات الجنوبية للمملكة واجهة للتنمية والازدهار المشترك.
- الداخلة: منصة أطلسية وفضاء للتكامل الإفريقي
المنتدى شهد مشاركة واسعة لشخصيات دبلوماسية واقتصادية رفيعة المستوى، من ضمنهم سفير جمهورية غينيا بالمغرب ناموري تراوري، الذي أكد أن اختيار بلاده كضيف شرف يعكس عمق الثقة المتبادلة بين الرباط وكوناكري، وتجسيداً للرؤية الإفريقية التضامنية التي يقودها المغرب.
وفي السياق ذاته، أوضح محمد مثقال، المدير العام للوكالة المغربية للتعاون الدولي، أن انعقاد المنتدى في الداخلة يواكب مرحلة جديدة من ترسيخ السيادة المغربية على أقاليمها الجنوبية، مؤكداً أن المدينة أصبحت منصة للاندماج الاقتصادي بين أوروبا وإفريقيا والأمريكيتين، وهو موقع جيوستراتيجي فريد يؤهلها لأن تكون قطباً محورياً في الاقتصاد الأطلسي الجديد.
- من الداخلة إلى السمارة: دينامية تنموية متواصلة
الريادة المغربية لا تتوقف عند تنظيم المنتديات، بل تتجسد في الامتداد المجالي للمبادرات. فقد شهدت مدينة السمارة مؤخراً تنظيم اليوم الاقتصادي الإفريقي بشراكة مع الغرفة الفرنسية للتجارة، في تظاهرة تؤكد أن كل مدن الصحراء المغربية أصبحت مراكز إشعاع وتنمية.
الحدث، الذي تزامن مع ذكرى المسيرة الخضراء وقرار مجلس الأمن رقم 2797، حمل رمزية وطنية وسياسية واقتصادية عميقة، إذ أعلن خلاله عن مشاريع واعدة كالممر الطرقي السمارة – بئر أم غرين – زويرات – تمبكتو، ومبادرات رقمية مبتكرة ضمن هاكاثون «ديجيتال مارش»، تعزز التحول الرقمي في الأقاليم الجنوبية.
- رؤية ملكية تلهم القارة
تؤكد هذه المنتديات أن الرؤية الملكية القائمة على ربط التنمية المحلية بالاندماج القاري والبعد الأطلسي بدأت تعطي ثمارها. فالمغرب لم يعد فقط جسراً بين إفريقيا وأوروبا، بل أصبح مركز ثقة دولية ومصدراً للإلهام في مجال التعاون الإفريقي المستدام.
اليوم، من طنجة إلى الكويرة، تتجسد صورة المغرب الجديد: بلد مستقر، منفتح، وفاعل إقليمي ودولي مؤثر، ينظم منتديات كبرى في مدنه الصحراوية بكل سيادة واقتدار، ليؤكد للعالم أن التنمية الحقيقية تمر عبر الرؤية، والثقة، والشراكة المتوازنة.


التعاليق (0)