في محيطي الاجتماعي، أربط علاقات مع ثلة من الشباب المتعلم. وكنت دائما خلال حديثي معهم، أعيب عليهم عدم اهتمامهم بقضايا وطنهم، وعلى رأسها وحدة بلادنا الترابية، وما تتعرض له من مؤامرات من قبل الجارة الجزائر. أعيب عليهم كذلك، عدم اهتمامهم بقضايا أمتنا، وعلى رأسها فلسطين المحتلة والأقصى المغتصب.
كنت أجد عند هؤلاء الشباب، ثقافة تهتم بالمغنيين والممثلين، على رأسهم الفنانين الأمريكيين. يعرفون تفاصيل حياتهم، وقصصهم في مجتمعهم، وحتى حكاياتهم الغريبة. وخارج هذا المجال المرتبط بالغناء الغربي والممثلين المرموقين، تجدهم يتحدثون في تخصصهم العلمي، والذي يتقنونه جيدا، لارتباطه بالمعلوميات والتكنولوجيا الحديثة وكذلك الرقمنة والذكاء الاصطناعي.
إلى جانب هذه المجالات التي يهتم بها هؤلاء الشبان، منهم من يهتم ببعض الكتب الأدبية وبعض الروايات التي تناسب تفكيرهم وثقافتهم.
لكني، تفاجأت بعد ملحمة طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر، والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ولمقاومته، رغم التقتيل واغتيال قادة المقاومة، أصبحت لدى هؤلاء الشباب ثقافة أخرى. لقد أصبحوا مهتمين بالمقاومة، أكثر من اهتمامهم بتخصصاتهم العلمية. أصبحوا يعرفون جيدا هنية وحسن نصر الله رحمهم الله رحمة واسعة. يعرفون جيدا أبا عبيدة، ويتابعون كل خرجاته، بلهف شديد ومتابعة متأنية. وكل خرجة لهذا المقاوم، تكون مادة لحوار ونقاش هؤلاء الشبان، وفي بعض الأحيان يرددون كلماته التي ترهب العدو المحتل.
أصبحتْ خرجات أبا عبيدة، لدى هؤلاء الشبان، موضوع نقاش ومتابعة. ومن خلالها، بدأت تتفتق معارفهم حول القضية الفلسطينية، وبدأت تتعمق مداركهم، حول طبيعة الصراع مع كيان الاحتلال. هكذا تكون المقاومة، مُلهِمة لشباب كان يهتم فقط بحياة الفنانين والجديد من الأغنيات والأفلام.
أما يحيى السنوار رحمه الله، فتلك قصة أخرى. قبل اغتياله، كان في عيونهم بطلا قلما تجد مثيلا له. لم تنفع لا الدعاية الغربية، ولا بعض الأصوات في بلادنا، التي تحاول التشكيك في مقاومته ودفاعه عن الأقصى…لم تفلح كل تلك الدعاية في إبعادهم عن متابعة أخبار السنوار، والمقاومة عموما. وبعد استشهاده رحمه الله، تحول في مخيلتهم، إلى بطل وأيقونة المقاومة، ورمزا لشعب يتوق لتحرير أرضه مهما كان الثمن.
هكذا إذا، تحول وعي هؤلاء الشباب، من ثقافة تتابع أخبار النجوم وآخر إبداعاتهم الفنية، إلى ثقافة المقاومة ومتابعة كل أخبارها اليومية. كان طوفان الأقصى سببا في توسيع مجال الاهتمام الثقافي لهؤلاء الشبان، وتعميق وعيهم بالقضايا التي تهم وطنهم وأمتهم. فأصبحوا يطرحون العديد من الأسئلة تتعلق بقضية الصحراء المغربية، والقضية الفلسطينية.
إنهم أصبحوا بأسئلتهم يحاولون فهم ما فاتهم. هنا يكمن دور المثقفين والمفكرين والعلماء، وحتى الشيوخ والفقهاء.
سعيد الغماز