يحاول هذا المقال مقاربة إبداعات الألتراس من خلال فنونهم الممارسة على المدرجات في ملاعب كرة القدم أثناء المباراة وخارجها قبل الإعداد للتظاهرات الرياضية، في إطلر التواصل لفعالية والاحداث communication évenmentielle، علما أن هذه المقاربة ستركز على الجوانب الجمالية والسميائية المتعلقة بتوجيه الرسائل وانتاج المعنى عبر مختلف الحاملات المتداولة من جداريات وأغاني وكلاشات ورفصات وتراكاطات وديديكاست…هذه الوسائل المعتمدة في الوسط الكروي لها أهميتها عند المشجعين لفرق كرة القدم الذين يطلق عليهم ” الألراس “.
وإذا كنت قد خصصت مقالا سابقا لمقاربة سوسيولوجية للألتراس المغربي، فإنني سأقتصر في هذا المقام على الجوانب الإستطيقية والفنية لظاهرة الألتراس، حيث سيتم اعتماد عدة اليات من تخصصات متكاملة كاللسانيات وتحليل الألون وتفكيك الموسيقى…
والمقصود بالسميولوجيا هو تحليل مختلف أشكال العلامة اللسانية وغير اللفظية ومختلف الأقوال والأفعال الدالة بقصد أو بدونه، مثلا تحليل الألوان والأشعار ومختلف الكتابات على مختلف الحاملات كالتيفو زاالوحات والجداريات… ف ” لسميولوجيا (بالفرنسية: مخالف له. وقد تكون مشتقــّـة من المصطلح الإغريقي σημεΐον ومعناه الإشارة أو العلامة أو الآية، وهو علم يعنى بدراسة السلوك الإنساني كأنماط ذات نتاج ثقافي منتج للمعاني. وعرف هذا العلم بدراسة أنظمة العلامات. التي أبتكرها الإنسان كنتاج له معاني ودلالات لها علاقة بسلوكه في استعمال العلامات.
والمعروف أن الاهتمام بكرة القدم، كواحدة من أهم الألعاب شعبية في العالم، لزم عنه وجود عدد من المشجعين المخلصين للعبة أو لنواد معينة. وإذا كانت ظاهرة المشجعين هي قديمة قدم اللعبة نفسها، حيث أن خبراء كرة القدم والمهتمون بها، عادة ما كانوا يرصدون عددا من المشجعين الذين ارتبطت أسماؤهم بفرق أو بلاعبين معينين، أو الذين عملوا على تشجيع فرقهم بشكل دائم ومستمر، بل وحتى السفر معهم إلى أماكن إقامة المباريات الخاصة بهم، فإن ظاهرة الالتراس هي ظاهرة حديثة في المجتمع العربي، وحتى المغربي.
فالألتراس هم مجموعات تشجع فريقا رياضيا بعينه، لها شعاراتها وأغانيها الخاصة، ولديها كذلك مبادئ منظمة مثل ضرورة حضور أكبر عدد ممكن من المشجعين للمباريات بغض النظر عن المسافة والتكلفة، والتشجيع وقوفا طيلة مدة المباراة، إلى جانب الوفاء للمجموعة وعدم مغادرتها.
ولكل مجموعة ألتراس اسم ورمز يطبعان على أعلامها ولافتاتها. ويجب على المنتمي للمجموعة احترام مبادئها وقوانينها.
وللألتراس أربعة مبادئ أساسية هي: عدم التوقف عن الغناء والتشجيع خلال المباراة، مهما كانت النتيجة، والوقوف طيلة المباريات، وحضور أكبر عدد ممكن من المباريات، بغض النظر عن التكاليف والمسافة، كما أن الولاء يظل قائما للمجموعة.
وتطلق مجموعات الألتراس حول العالم ألبومات تتضمن الأغنيات التي تهتف بها في المدرجات من أجل نشرها بين الجماهير العادية وزيادة التعلق بالنادي. ويستخدم منظمو الألتراس مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة فيسبوك في الحشد، حيث يتم نشر موعد المسيرة أو الاعتصام أو الوقفة الاحتجاجية قبل ساعات، كما يتم الاتفاق على أماكن معروفة للتجمع.
ما نعرفه عن مجموعات “الألتراس” أنها تستخدم مصطلحات خاصة بها، مفاهيم لا يفهمها إلا أعضاء الألتراس، وبها يتواصلون ويتفاهمون.من بينها مكونات جهازها المفاهيمي نذكر:
“اللوجو”Logo – العلامة المميزة –
“الباتش” Batch أي الخاص بالألتراس، ويحمل شعار المجموعة وألوان الفريق.
“التيفو” Tifo، يلازم الدخلة أو الطلعة تقوم بها مجموعة الألتراس لتعبر عن رأي أو فكر وغالبا تكون في بداية المباراة.
التراكاط Track : في مقاطع عبارة عن أغاني وأناشيد تغنى على المدرجات ويتم فيها ترديد مقاطع متنوعة تتراوح بين تشجيع الفريق، أو تمجيد الإنجات وحتى الاحتجاج والنقد السياسي والإحتجاج.
الكلاشات: clash لها شكل هجاء للفريق الخصم عبر أغاني اتفالية في رقصة جماعية تصل احيانا لحد التجريح للخص.
الديدكاص dédicace : وهو عبارة عن مدح لشخصية ذات علاقة بالنادي أو من اللاعبين، وهو نقيض الكلاش.
الكرافيتي أو الجداريات التي ترسم في مختلف أرجاء المدينة التي يتسب لها الألتراس، وتتموقع في فضاءات شعبية وتتضمن مضامين خاصة بالمجموعة.
الرقصات البوجا: وهي أشكال الأهازيج والرقصات الإحتفالية المصحوبة بأغاني تنجز على مدى 90 دقيقة.
وخلافا للأحكام المسبقة التي تصدر ضد الألتراس وتجاوزا للمقاربة الزجرية للجمهور التي تحكم علية انطلاقا من منطق المراقبة والمعاقبة، والتي تصنفه ضمن الرعاع والغوغاء والمشاغبين، تروم هذه الدراسة الانطلاق من تصور مغاير لهذه الأحكام القبلية، بغرض تقديم تصور مخالف يعيد للجمهور اعتباره، ويصحح بعض الأحكام المتسرعة والجاهزة والمسبقة التي تشكل عائقا إبستمولوجيا لفهم هذا الأخير باعتباره جزءا ضروريا في لعبة كرة القدم. فمباراة كرة القدم التي تستحق هذا الاسم لا يمكن أن تكون إلا بحضور الجمهور باعتباره اللاعب رقم 12. فهذا الأخير هو الذي يمنح للمباراة الحيوية ويجعلها مفعمة بالحياة. وحتى في الحالات التي يمنع فيا الجمهور من حضور مباراة، كالإجراءات العقابية التي تتخذ في حق بعض الأندية – ما يعرف بالويكلو –، يكون الملعب باردا والمباراة جامدة والعلاقات بين اللاعبين ميتة. الجمهور إذن، هو العقل الفعال والدينامو المحرك الذي يمنح لهذه اللعبة أشكالا من الفرجة، الجمهور هو الذي يضفي على اللعبة أصنافا من الاحتفالية، ويضخ الدينامية، بل والحياة في شريان الملعب.
يتعلق الأمر بنقديم نظرة سميائية ولسانية واستيطيقية تنظر في الصورة واللون والخطاب، وكل أشكال التعبير المعتمد لتوجيه ثقافة مضادة للثقافة الرسمية المهيمنة. فجيل الألتراس يرسلون أفكارهم عبر أنواع من الخطاب الرمزي والمشفر؛ خصاب فيه اللفظي والإشارة والإيماء ومختلف أشكال العلامة السميوزيس.
ولما كانت ” الألوان والرموز والأغاني والشعارات التي تتغنى بها الألتراس هي أساليب تثبت الهوية وتقوي حس الانتماء، بحيث أن الألوان الموحدة التي يرتديها المشجعون تتخللها رسالة مفادها “إننا ننتمي إلى نفس الكيان”، بل وتحيل على تميز الفريق وهويته البصرية “، فإن .المقاربة السيميولوجية لفنون الألتراس ستتم عبر العناصر التالية:
- لوغو logo جماعة ألتراس:
مادام لكل جماعة ألتراس لوغو يميزها، فهذا اللوغو بأشكاله و بأنواعه… أشبه بالطوطم الذي كانت تعتمده التجمعات البدائية. فلكل التراس علم يخصه، لوغو يعرف بهويته. إنه “- العلامة المميزة – الخاص بالألتراس. لكن اختيار الصورة المميزة، والألوان المعتمدة، والشعارات التي تحمل اسم الفريق، يتم بعناية فائقة، من قبل أعضاء الجماعة. إن هذه العلامة تتضمن بالتعبير الكامل أو المختصر أسم الجماعة، وغالبا بلسان أجنبي، فرنسي أو انحليزي، وكذا سنة الولادة، مثلا:
GREEN BOYS 2005 الرجاء البيضاوي 2005UGB
ULTRAS EAGLES 2006 الرجاء البيضاوي UE2006
2006 Green Gladiators الرجاء البيضاوي 2006UGG
2005ULTRA WINNERS الوداد اليضاوي 2005UW
FATAL TIGERS 2006 المغرب الفاسي 2006UFT
ULTRAS ASKARY2005 الجيش الملكي UA2005
CRAZY BOYS 2006 الكوكب المراكشي UCR2006
SIEMPRE PALOMA2006 المغرب التطواني USP2006
GREEN GHOST2007 أولمبيك خريبكة UGG07
ULTRAS IMAZIGHEN2006 حسنية أكادير UI200
كما يتضمن اللوغو صورة تجلب الناظر، حيث تعرف الجماعة بها، وكأنها طوطم يميزها عن باقي جماعات الألتراس. علما أن هذه الصورة لاتكون مطابقة أو أيقونة، إنها سيمولاكر ذو دلالات بنيوية، بحيث يتطلب تحليل الصورة الانفتاح على مجموعة من التأويلات. ومن بين صور لوغوات الألتراس نشير، على سبيل المثال لا الحصر، إلى:
شخصية بيهي لإلتراس إيمازيغى.(حسنية أكادير)
- شخصية البهجة لالتراس كرايزي بويز.( الكوكب المراكشي)
- الفدائي للوينرز.(الوداد البيضاوي)
- القرش للشارك بويز. ( أولمبيك اسفي.
أما الأسماء المختارة لكل جماعة ألتراس فتختلف دلالتها، فقد تشير الى القوة والتفوق والتحدي والثورة والانتصار( الأسد، القرش، الثوار، العسكري، هيركل… ويمكن أن ترتبط بالأرض والأصل كحلالة للقنيطرة، وأولاد الواد لتاددلة، زايمازيغن لأكادير…وأحيانا نجد صفات السلم والسكينة ( الحمامة البضاء تطوان).
يصاحب هذه الصور والأسماء ألوانا تحيل على مضمونها وكذا على توجه الجماعة وفلسفتها.
فالألوان ليست مجرد ألوان فقط إطلاقًا؛ بل أنها معنى عميق جدًا، له رمزيات تفوح منها رائحة الثقافات حول العالم باختلافها، واعتقاداتها، وإيمانها. فحتمًا لم تأتِ دلالات الألوان في الثقافات حول العالم من فراغ؛ بل كان هناك أسرار خفية باتت تلوح بالأفق لتتجلى لنا ونعرفها. وترتبط الألوان بعلاقةٍ وطيدة مع طريقة تفكير ورؤية الإنسان لما حوله، فقد ترسبّت في الأذهان والاعتقادات الطاغية عليها مجموعة من المسلمّات بارتباط كل لونٍ ودلالته على أمرٍ ما، ويأتي ذلك ليكون اللون طريقة جديدة لإيصال رسالةٍ ما وفكرة معينة يفهمها الرائي للون، ففي الثقافة العالمية يقترن اللون الأزرق بالسلام والحفاظ على الأمان ما يجعله محببًا ومريحًا بالمجمل؛ بغض النظر عن اعتقاداتك الخاصة وتمييزك لأي لون تفضل.
اللون الأحمر كما هو في لوغو الترا ايمازيغن أو الوسنرز، مثلا: يعد اللون الأحمر من الألوان ثنائية المعاني؛ ما بين الخير والشر، بل ويرتبط بالدم، بالانتماء, وفي هذه الحالة نجد الارتباط بالعلم المغربي، بالوطنية…
اللون الأزرق كما هو في الشارك بويز: تشير دلالات اللون الأزرق في ثقافات الشعوب إلى أن اللون الأزرق أيقونة متكاملة في تعميق شعور العقلانية وتحسين جودة الارتباط بالمجمل، ومن الملاحظ غالبًا أن معظم الشركات والوكالات الحكومية تتجه إلى اعتماد اللون الأزرق لونًا رسميًا للزي الخاص بها، بل تعتمده منظمة الأمم المتحدة لونا رسميا لها. وفي لوغو التراس اسفي يرتبط بالبحر، وبمدينة البحر وأسماكة ممزوجا باللون الأحمر رمز القوة الذي تكمله أسنان القرش البيضاء.
اللون الأخضر كما هو عند الكرين بويز أو حلالة بويز: العديد من الارتباطات والدلالات التي تقترن بعلاقة وثيقة مع اللون الأخضر؛ حيث يستدل به على الحياة والنماء والحيوية، وتحديدًا أنه لون الطبيعة التي تشير إلى الإنتاجية، لكن قد تمكن اللون من التحرر والوصول إلى مستوى آخر ليكون أيضًا لون الغيرة والحسد.
اللون الأسود كما لون عسكري بويز: رغم مستوى الأناقة الطاغية على اللون الأسود بالمجمل واعتباره ملك الألوان، إلا أنه مصدر للرعب والقلق وأيضًا لون الحداد والموت، فقد آمنت الشعوب وتناقلت ثقافات وحضارات مضت وما زالت قائمة بأن اللون الأسود لا محالة يقترن بالموت، ويجمع بين الحزن والقوة.
اللون الأبيض كما هو عند أهل تطوان: يُعدّ اللّون الأبيض مصدراً لجميع الألوان، وهو يوحي بالبراءة والصفاء، ومن معانيه الطّهارة والبساطة.هذا ما توحي به الحمامة البضاء. للبياض أهمية كبرى في الثقافة التطوانية، ومن ذلك خبزة الفقوصة، التي هي رمز للفرح والكرم وفأل للخير الوفير.
إن ما ينطبق على رسم اللوغو الخاص بكل جماعة إلتراس، يشمل أسضا تخطيط ورسم الصور التابثة هلى الجدران بمختلف الأشكال وفق ما يعرف بفن لكرافيتي، أو رسم جداريات أو لوحات من الفن الكبير.
جداريات الألتراس:
هذه الجداريات التي يتحكم فيه هاجس السيطرة الرمزية على المجال، حيث لا يسمح للخصم بتثبيث جداريات دخيلة في فضاء نفس المدينة تحتمل العديد من التفسيرات والقراءات. ومن بين التأويلات الجمالية لهذه الجداريات يظهر أن اللون الأحمرالذي يُعبّر عن المشاعر القويّة والشّغف، هو السائد، بل هو الميمن، فهو يملك طاقة تحفيزيّة وقياديّة، فيعطي رسائل للدماغ بالتوقّف أو يُحفّزه للانطلاق، وفي تفصيل درجاتِ اللّون الأحمر فإنّ اللّون الأحمر الفاتح يعطي الإحساس بالتحفيز والطاقة، بينما يعطي اللون الأحمر القاتم انطباعاً بثراء الشّيء وفخامته، كما يوحي بالأناقة، أمّا الأحمر القريب من البنيّ فيعطي شعوراً بالدّفء والقوّة اللون الأزرق: يوحي بالهدوء والصفاء والتنظيم، وقد يُ عطي إحساساً بالحزن والابتعاد، ولا يتناسب مع أيّ شيء يتعلّق بالطعام، فهو يُعدّ أقلّ لون فاتح للشهيّة.
التيفو: Tifo
صاحب ظاهرة الألتراس صناعة جديدة ترتبط بتصور وإعداد «التيفو»، الذي يعتبر إحدى هذه الأدوات المهمة.والضرورية لفرجة الملاعب الكروية. فغالبا ما يشد التيفو الأنظار على المدرجاتويتضمن التيفو الشعارات التي تحمل عديداً من المضامين التي تمنح المتابع فكرة واسعة عن توجهات أنصار نادٍ معين، أو الرسائل التي يرغب في توجيهها، سواء إلى فريقه أو الفرق المنافسة.
إن الطريقة التي يصاغ بها التيفو والأسلوب المعتمد فيه والية تقديمه في الدخلة والطلعة يشهد على فن كامل الأركان في كل مراحل انجازه، رغم أن من عبارات التيفو ما هحمود وما هو مذموم.
الطراك Track : ومنه قصائد وأغاني متداولة على نطاق واسع كأنشودة ” بلاد الحكرة’ و” في بلادي ظلموني” التي تهز أركان المدرجات. فأغنية “فبلادي ظلموني” مجهولة المؤلف، والتي تحمل توقيع جماهير فريق الرجاء البيضاوي، تعبير عن معاناة الشباب المغربي القلق على مستقبله المظلم، وتبدأ كلمات الأغنية بالقول “أوه أوه أوه، لمن نشكي حالي، الشكوى للرب العالي/ أوه أوه أوه، هو اللي داري / فهاد البلاد عايشين فغمامة، طالبين السلامة، انصرنا يا مولانا/ صرفو علينا حشيش كتامة خلونا كي اليتامى نتحاسبو في القيامة”… وتستطرد: “مواهب ضيعتوها/ كيف بغيتو تشوفوها/ فلوس البلاد كاع كليتوها/ للبراني عطيتوها”…
إفالطراك هو نوع من الغناء أو الاناشيد الذي يتم عبر مقاطع مصحوبة بالرقص الجماعي, هطا النوغ الشعري لا ينضبط لعلم عروض الفراهيدي ولا للشعر الكلاسيكي ولا الحديث. فالطراك يقلب البنية ويعكس الرؤية. إنه ابداع غنائي له ايقاعه الخاص والخارجن المتعارف في الشعر في كل الأزمان وبكل اللغات. تأسيس براديم جديد للأغنية وهدم النماذج القديمة والحديثة شكلا ومضمونا.
فلتكتمل الفرجة وتتحقق الحماسة والتشويق في الملاعب الرياضية لا بديل عن حضور اللاعب رقم 12، حيث ترسم الجماهير المنظمة فيما بات يعرف بالألتراس لوحات فنية رائعة تُلهب المدرجات وتجعلها مفعمة بالحيوية والحياة؛ فالمباراة التي تُلعب بدون جمهور في إطار العقوبات التأديبية (الويكلو) تكون باردة ومملة وفاقدة للإثارة والتشويق.
وتتوسم ” الألتراس بالأغاني والأناشيد لصناعة الفرجة في المدرجات، حيث أشَّرت على ولادة نمط جديد في الغناء يختلف عن نمط الغناء الكلاسيكي والشعبي، ويعرف انتشارا واسعا بين صفوف الشباب، لأنه يكسر النمط المتداول للمواضيع الطربية القديمة ذات الحمولة العاطفية والرومانسية، ويتماشى مع حاجيات المرحلة من خلال التعبير عن عدد من هموم المجتمع وهواجسه وملامسة القضايا الاجتماعية الراهنة (كالفقر والبطالة والهجرة، والظلم وغياب العدالة الاجتماعية…) باستعمال كلمات بسيطة وجمل لحنية وتعبيرية قصيرة تمتح من قواميس لغوية متعددة كالعربية والأمازيغية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والإنجليزية والدارجة المغربية، متحررة من سلطة البحور والقوافي والتعقيدات النصية، ولها طرق خاصة في التلحين، وطرق خاصة في الأداء الصوتي حيث تؤدى في شكل كورال جماعي وبحماس شديد وبصوت واحد تغيب عنه النزعات والتطلعات الفردية، وهيمنة الصوت الأحادي المتفرد، وباستعمال حركات متناسقة للجسد (التصفيق، القفز الجماعي، التلويح بالأيدي في اتجاه الخصم”.
ولكل إلتراس أغانيه الخاصة التي تُحفظ عن ظهر قلب، وتؤدى في الملاعب بدون موسيقى وتتَحرَّر من كل رقابة أخلاقية، حيث لا تجد غضاضة في استعمال بعض الألفاظ الجارحة والمبتذلة.
وتُنفَّذ هذه اللوحات التشجيعية تحت قيادة شخص يدعى “الكابو”؛ وهو شخص يتمتع بكاريزما خاصة، وينتصب في مكان بارز يسمح برمقه ومتابعته من طرف الجميع، فهو الذي يشرف على اختيار الأغاني والهتافات وينسق حركات الأيادي والتشكيلات، وإثارة الحماس في المدرجات.
لكلاش : clash
عادة ما ينسب هذا النمط التعبير الى موسيقى الراب بشكله ومضمون خطابه. لا تستبعد هذه الفرضية، ويمكن الأخذ بها فقط جزئيا لأن الكلاش في الأرض المغربية له علاقة بموروث ثقافي مغربي أصيل، وهوما يعرف بأدب النقائض، أو الردود، وهو ما يعرف باشعر المدح والهجاء كما عرفناه مع جرير والفرزدق، حيث كل شاعر يرد على الأخر باستخدام أساليب الإستعارة التهكمية والكناية ونعوث النقص، دون التجريح الشخصي، وفي اطار التسلية المصاحبة لمقامات النقد أو ماشباهه.
وفي الثقافة المغربية المحلية نجد هذا الجنس الأدبي، مثلا في الثقافة الأمازيغية تصادف في رقصة أحواش وخاصة أجماك ما يعرف ب” أورارن ” أي الردود بين إنضامن حسب لمواضع أو القبائل. حيث نجد أنضام يهجو اخر، فيرد عليه هذا الأخير بأساليب مماثلة، دون الانزلاق الى التجريح الفردي والشخصي، احترام الأعراض.
ولا يختلف الأمر في فن العيطة، حيث يتوسل بها في نقد واقع مرفوض والتبشير بأفق مأمول. وتعبر واقعة خربوشة في نقضها للقايد عيسى مثال على لكلاش الموسيقي وعبره انتقاد واقع الطلم والجبروت.
هكذا يحضر هذا الموروث الثقافي، ولو بطريقة لا شعورية، في كلاشات الالتراس المغربي، حيث يمتزج مع الموسيقى الشباسية ليضفي على المقابلات الكروية تحفة متميزة من الفرجة الحماسية.
ليس ” ما ينبغي التوقف عنده هو تمثلات هذه الظاهرة فقط، ولكن ما تجده هذه المناوشات من احتفاء واهتمام ومتابعة، إذ تحتل “فيديوات لكلاش” مراتب الصدارة من حيث عدد المشاهدات. “التوندونس” المغربي على “يوتوب” يشهد احتلالا لهذا النوع من الرسائل والرسائل المضادة، ووسائل الإعلام تتهافت على متابعة آخر أخبار “لكلاشات” رفعا لنسبة زوار الموقع ومرتاديه، والبرامج الحوارية تتسابق لاستضافة البارزين في هذا الباب، حتى أصبح “لكلاش” الوسيلة المثلى لدى الكثيرين للرفع من نسب الإعجاب والمتابعة على صفحات التواصل الاجتماعي. ”
فالكلاش هو نقد داخلي وخارجي. واذا كان هذا الاخير يتعلق برساءل وانتقادات جموهر لجمهور، غان الكلاش الداخلي يتوجه الى كلاش” اللاعبين والمسيرين..” وفي خصم النقاش الدائر حول “الكلاش”، فإن الأمر لا يقتصر فقط على المشجع، حيث أصبح مقترنا بشكل كبير بين المتدخلين الآخرين في اللعبة، سوء لاعبين أو مسيرين، سواء عبر التصريحات أو من خلال منصات التواصل الاجتماعي.
وخلافا للهجاء نجد المدح عبر ديديكاسات للاعبين والمسيرين وحتى السياسين خارج الملعب !!!
تـفـروت لـحسـن: أستاذ باحث