طالبت المنظمة الوطنية لحقوق الانسان ومحاربة الفساد سوس ماسة بإعادة النظر في مقاربة المسألة الاجتماعية بِــرُمَّــتِــهَا، وجعلها مِحورَ وغايةَ جميع السياسات العمومية، والارتكاز على وضع الإنسان في قلب العملية التنموية، مع الحرص على إجراءات التفعيل الأمثل والشامل لورش الحماية الاجتماعية، بما في ذلك العمل على توسيع الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل بأفق تحويله إلى نظامٍ للتأمين عن البطالة،
وشددت المنظمة الحقوقية في بيان لها على ضرورة إقرار التعويض عن العمل في المناطق النائية، وإعمال المراقبة الصارمة على إجبارية التصريح بالأجراء لدى صندوق الضمان الاجتماعي (التغطية الاجتماعية).
كما طالبت المنظمة نفسها الحكومة بالتدخل للحد من ارتفاع الأسعار، وحماية الوضع المعيشي للفئات الهشة والمعوزة من المواطنين.
وفيما يلي النص الكامل للبيان الذي توصلت أكادير 24 بنسخة منه :
بيان للرأي العام المغربي
في إطار رصد وتتبع المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان و محاربة الفساد للوضعية الحالية للمواطن المغربي الذي مايزال يعيش “الارتفاع المهول للأسعار بشكل غير مسبوق سبب انهيار قدرته الشرائية وعملت على تفجير جيوب المواطنين ، وزادت من اتساع هوة ودائرة الفقر والفوارق الاجتماعية في ظل توالي الأزمات الوطنية والدولية،وإصرار الحكومة على نفس الاختيارات السائدة منذ عقود”.
إن المنظمة تراقب وترصد وتسجل حالة الغضب التي تسود الطبقة الفقيرة المغربية ، والاستياء العام والسخط الاجتماعي الآخذ في التصاعد ضدا على حكومة الاطر ، التي اظهرت عجزها وعدم قدرتها على إيجاد الحلول المناسبة ، والتغلب على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية المزرية.
حيث أن الحكومة قد استنفدت كل خياراتها من أجل حماية القدرة الشرائية للمواطنين، وحماية السلم الاجتماعي. فكل الإجراءات التي قامت بها سواء بلقاء المنتجين في القطاع الزراعي، أو رفع الرسوم عن الآليات الفلاحية المستوردة، أو مراقبة السوق وحمايته من المضاربين، أثبتت محدوديتها أمام واقع استمرار ارتفاع أسعار الخضر والفواكه والمواد الغذائية. والمفارقة، وأن استيراد حوالي 11 ألف رأس من الأبقار من البرازيل، لم يكن له أي تأثير على أثمان اللحوم الحمراء في السوق المحلية، مما عزز شكوكا، باستثمار بعض رجال الأعمال التابعين لأحزاب التحالف الحكومي في الأزمة، بدفع الحكومة نحو رفع الرسوم عن الاستيراد، وتحقيق الكسب من جهتين: شراء الأبقار من البرازيل بأثمان بخسة، والإعفاء من الرسوم الجمركية، دون خفض لأسعار اللحوم الحمراء في الداخل.
إن كل هذه المؤشرات كشفت فشل سياسية الحكومة، والتي تخفي جوهر المشكل ، وهي أزمة رؤية، تحاول أن تقارب موضوع التوازن الماكرو اقتصادي للبلاد من غير إدخال معامل المسألة الاجتماعية في الحساب.
إن تحصين التوازن الماكرو اقتصادي للدولة سواء ماورثته عن الحكومة سعد السابقة او مانعيشه الان ، قد جاء في سياق أزمة عالمية، أصبحت فيها الهشاشة مصدر تهديد حقيقي للسلم الاجتماعي، بل أصبح أي عجز عن تأمين القوت، مؤذنا بأزمة اجتماعية ومالية ونقدية أيضا، فقد ساهمت الحرب الروسية على أوكرانيا في تعقيد الوضعية الاجتماعية، وخفض القدرة على تحمل كلفة المعاش اليومي، كما ساهم تراكم الجفاف، في رفع الحماية عن الطبقات الفقيرة والهشة، التي كان قوتها اليومي المحصن، يغنيها عن تكثيف طلبها على الخدمات الاجتماعية الأخرى، مثل الصحة والتعليم والسكن.
إننا نرى بالمنظمة ان الحكومة ، تبنت رؤية مختلفة عن التي تبنتها الحكومة السابقة ، التي قدمت الدعم الاجتماعي للطبقات الهشة خلال جائحة كورونا، حيث اتجهت الحكومة الحالية على العكس من ذلك، إلى وضع هذه الطبقات أمام واقع التضخم وانفلات الأسعار، واتجهت نحو رجال الأعمال بحجة دعم الاستثمار لتحقيق النمو وخلق فرص الشغل.
إن واقع هذه الرؤية، انتهى إلى تقوية مالية الدولة، وإرضاء نخب المال والأعمال، على حساب الطبقة الفقيرة وفي المقابل، تهديد التوازن الاجتماعي، من خلال تسريع تهاوي الطبقات الوسطى، وتغير التحدي لدى الطبقات الدنيا، من تلبية الخدمات الاجتماعية، إلى تهديد القوت اليومي والقدرة الشرائية .
حيث إتجهت الحكومة لعدم السماح بأي شكل من الأشكال بخفض الضرائب على المواد المستوردة بغرض التحكم في التضخم وخفض الأسعار، حبث كانت تسعى إلى كسب شرعية الدولة وتوفير موارد تساعدها على مواجهة تحدياتها الدبلوماسية والدفاعية، والتوجه نحو رجال المال والأعمال، الذي كان القصد الظاهري منه، وهو تسريع النمو لخلق فرص الشغل، لكن الواقع، يؤكد بأن هذا التوجه أملته التركيبة السوسيولوجية لأحزاب التحالف الحكومي التي تتكون في الأصل من نخب المال والأعمال.
إن هذا الواقع المر مستشف من أحاديث الناس اليومية وشكواهم من ارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش، الذي يحرق جيوبهم دون تدخل من الحكومة التي تقف موقف المتفرج وفي كل مرة تبرر الوضعية الاقتصادية والاجتماعية المزرية بالسياق الخارجي.
فهناك شبه إجماع شعبي على فشل حكومة الكفاءات ، حيث يرى المغاربة أن ما يعانوه من تدهور في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية هو نتيجة حتمية لمخرجات انتخابات 8 سبتمبر2021، التي أفرزت “نخبا غير قادرة على القيام بواجبها تجاه المواطنين”، فـ”الراي العام كله قد اجمع على فشل حكومة الكفاءات كما سابقتها ” التي أثبتت عجزها في تدبير السياسات العمومية. إن المغاربة يشعرون أن “الخنجر وصل للعظم، جراء موجة الغلاء الفاحش والمستمر والشامل”الذي لايريد التوقف .
إن المواطن المغربي يرى نفسه في مواجهة غير متوازنة مع “ حكومة مكونة من أحزاب الأعيان، أو أحزاب نخب المال والأعمال ، حكومة الشركات وتضارب المصالح ، التي تركت المواطنين في مواجهة عدد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فلا هي تدخلت من أجل التخفيف من حدتها، ولا هي تواصلت معهم وقدمت حقيقة الوضعية الاقتصادية”. هذه الأحزاب دائما التي تحتاج إلى دعم نخب المال والأعمال بدل جعل المسألة الاجتماعية في قلب اهتماماتها، لأن تجربتها السابقة، تبين لها حدود دور المال ونفوذ رجال الأعيان ورجال المال في تكييف السلوك الانتخابي.
وحيث أن هذه النخب التي تشكل البنية الأساسية كحزب الأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة، وبنسبة أقل حزب الاستقلال، تجد اليوم الفرصة مواتية، للضغط على قيادات أحزابها من أجل تحقيق أكبر قدر من المكاسب، لأنها تدرك أن الحكومة تفقد للقوة السياسية التي تقاوم بها نخبها من الداخل، لسبب بسيط وهو أن توازن الأحزاب من الداخل
“إننا نرى ان المشهد الحزبي والسياسي بأغلب المدن بعد 8 سبتمبر 2021، يتميز بهيمنة اباطرة الفساد المالي والانتخابي، كما يتميز بالجمود وتوسيع دائرة العزوف وفقدان الثقة في المؤسسات والمنتخبين في ضوء ما يتسم به المشهد السياسي من مجالس منتخبة أفرزتها انتخابات سبتمبر وأغلبيتها المسيرة الهجينة والمفككة، والتي لا يجمعها تحقيق التنمية بقدر ما يشغلها منطق البحث عن الامتيازات وتضارب المصالح والسعي لتحقيق الثراء غير المشروع على حساب المال العام”.
إن “مسألة الأمن الغذائي المغربي والحفاظ على القدرة الشرائية المغربية ، مرتبطة أساسا بالسياسات العمومية الهادفة إلى ضمان العيش الكريم، من خلال الإجراءات الواجب اتخاذها لمواجهة غلاء الأسعار وحماية القدرة الشرائية للمغاربة، واعتبار ذلك أولوية (…)”.
،
فقد عمدت الحكومة الحالية إلى إجراءات التقشف على حساب الفقراء، وان “كل ما قيل عن هذه الحكومة لا يكفي ولا يشفي غليل المسحوقين من المواطنين الذين يكتوون بنار تدهور الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية”، معلنين أن “الجميع سيكونون خصوما له”.لهذا كله نطالب الحكومة ونلتمس منها :
– إعادة النظر في مقاربة المسألة الاجتماعية بِــرُمَّــتِــهَا، وجعلها مِحورَ وغايةَ جميع السياسات العمومية، والارتكاز على وضع الإنسان في قلب العملية التنموية.
– الحرص على إجراءات التفعيل الأمثل والشامل لورش الحماية الاجتماعية، بما في ذلك العمل على توسيع الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل بأفق تحويله إلى نظامٍ للتأمين عن البطالة،
– إقرار التعويض عن العمل في المناطق النائية، وإعمال المراقبة الصارمة على إجبارية التصريح بالأجراء لدى صندوق الضمان الاجتماعي (التغطية الاجتماعية).– نطالب الحكومة بالتدخل للحد من ارتفاع الأسعار، وحماية الوضع المعيشي للفئات الهشة والمعوزة من المواطنين. ونشجب تجاهل الحكومة للحد من انتشار الريع ووقف الامتيازات وقطع دابر الفساد المالي.
– عدم غض الطرف المضاربين والسماسرة والوسطاء المنتشرين الاسواق والذين تسببوا في ارتفاع الأسعار ، و تجاهل الحكومة لاختلالات سلسلة التوزيع. حيث إن المضاربين والمحتكرين في المغرب يستفيدون من ضعف مراقبة الأسعار من طرف الأجهزة الرقابية الحكومة سواء على المستوى المركزي أو المحلي.
– بناء نقاش حقيقي في البرلمان أو على وسائل الاعلام الرسمية حول أسباب الوضع المعيشي الصعب الذي تواجهه فئات واسعة من المجتمع المغربي، وان هناك تحذير من اغلب المغاربة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أن ضائقة الوضع المعيشي لم تعد تحتمل وأن تبريرات مثل الجفاف والبرد وغلاء البذور والمحروقات لم تعد مقبولة وأن على الحكومة ورئيسها أن يجدا حلا لمعضلة ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية في الأسواق.
التعاليق (0)