وجه جلالة الملك من خلال خطابه السامي ، بمناسبة الذكرى الثامنة والستون من ثورة الملك والشعب ، رسائل عدة واضحة و صريحة، رسائل همت جهات عديدة ، وأهمها :
1- رسالة إلى التاريخ
إذ أكد جلالته أن ثورة الملك والشعب، هي خير مناسبة لاستحضار قيم التضحية والوفاء ، في سبيل حرية الوطن واستقلاله.
فكما هو معلوم لدى القاصي و الداني على أن المناسبة ، مناسبة تاريخية ، ذات قيمة اعتبارية كبيرة بما تحمله من دلالات نضالية قوية كانت فيها الريادة البطولية للملك محمد الخامس ، جد العاهل المغربي محمد السادس ، ولشعبه الوفي لشعاره المقدس الخالد: « الله، الوطن، الملك».
2- رسالة للوطن ، و تاريخه الأمازيغي الطويل
إعتبر جلالة الملك كون المغرب مستهدف و محسود ، لما يتمتع به من نعمة الأمن والاستقرار، التي لا تقدر بثمن، خاصة في ظل التقلبات ، التي يعرفها العالم .
وهو ما تأكد بالملموس وفق الخطاب السامي ، في مواجهة الهجمات المدروسة، التي تتعرض لها البلاد ، في الفترة الأخيرة، من طرف بعض الدول، والمنظمات المعروفة بعدائها.
فالمغرب حسب جلالته مستهدف، لأنه دولة عريقة ، تمتد لأكثر من إثني عشر قرنا، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل ؛ وتتولى أمورها ملكية مواطنة، منذ أزيد من أربعة قرون ، في ارتباط قوي بين العرش والشعب .
فالمغرب والحمد لله، معروف بسمعته ومكانته، التي لا نقاش فيها ، وبشبكة علاقات واسعة وقوية، ويحظى بالثقة والمصداقية، على الصعيدين الإقليمي والدولي ، مما جعله عرضة على غرار بعض دول اتحاد المغرب العربي ، لعملية عدوانية مقصودة .
3- رسالة للنخبة السياسية
إن مسألة إجراء الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية ، يؤكد عمق الممارسة الديمقراطية، ونضج البناء السياسي المغربي .
فالإنتخابات ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لإقامة مؤسسات ذات مصداقية ، تخدم مصالح المواطنين ، وتدافع عن قضايا الوطن، و لربما هي رسالة شديدة اللهجة و صريحة، لكل من يعتبر الإنتخابات غاية لتحقيق مصالح فردية أو فئوية.
وهو ذات الأمر الذي أشرنا إليه في مقالات السابقة ، فالرهان من الانتخابات بالأساس هو تجديد الدماء في المؤسسات ، والدولة تكون قوية بمؤسساتها الديمقراطية، وبوحدة وتلاحم مكوناتها الوطنية . وهذا هو السلاح للدفاع عن البلاد، في وقت الشدة والأزمات والتهديدات.
4- رسائل لأعداء الوحدة الوطنية
إن أعداء الوحدة الترابية للمملكة ، ينطلقون من مواقف جاهزة ومتجاوزة ، ولا يريدون أن يبقى المغرب حرا و قويا ومؤثرا.
وقليل من الدول، خاصة الأوروبية، التي تعد للأسف من الشركاء التقليديين، تخاف على مصالحها الاقتصادية ، وعلى أسواقها ومراكز نفوذها، بالمنطقة المغاربية.
كما أن بعض قياداتها ، لم يستوعبوا بأن المشكل ليس في أنظمة بلدان المغرب الكبير، وإنما في أنظمتهم، التي تعيش على الماضي ، ولا تستطيع أن تساير التطورات .
وقد أبانت الشهور الأخيرة ، أن هذه الدول تعرف ضعفا كبيرا ، في إحترام مؤسسات الدولة ، ومهامها التقليدية و الأساسية.
لذلك يريدون أن يصبح المغرب مثلتهم ، من خلال خلق مبررات لا أساس لها من الصحة، واتهام مؤسساتنا الوطنية ، بعدم احترام الحقوق والحريات، لتشويه سمعتها، ومحاولة المس بما تتميز به من هيبة ووقار .
إنهم لا يريدون أن يفهموا، بأن قواعد التعامل تغيرت ، وبأن دولنا قادرة على تدبير أمورها، واستثمار مواردها وطاقاتها ، لصالح شعوبنا .
5- رسائل إلى منظمة العفو وجمعية فوربيدن ستوريز
لقد ثم تجنيد كل الوسائل الممكنة، الشرعية وغير الشرعية ، وتوزيع الأدوار ، واستعمال وسائل تأثير ضخمة ، لتوريط المغرب ، في مشاكل وخلافات مع بعض الدول .
كما أنه ثم تدبير حملة واسعة، لتشويه صورة مؤسساتنا الأمنية، ومحاولة التأثير على قوتها وفعاليتها، في الحفاظ على أمن واستقرار المغرب ، إضافة إلى الدعم والتنسيق، الذي تقوم به في محيطنا الإقليمي والدولي، وبإعتراف عدد من الدول نفسها.
ولا شك أن هذا المقطع من الخطاب الملكي ، يعيد الكثير من الاعتبار للمؤسسة الأمنية التي تعرضت مؤخرا لحملة استهداف ممنهجة داخليا وخارجيا ، للمس بسمعتها المهنية والتشكيك في وطنية رموزها ، وتجييش بعض الدول عليها باتهامات باطلة .
لقد خيب الخطاب الملكي من وجهة نظرنا الخاصة ، ظن من كان يعول على نشر مزاعم تجسس المؤسسة الاستخباراتية على رؤساء دول وديبلوماسيين ، بل على الملك محمد السادس بنفسه وتحريك الضغط الدولي وتجييش المحطات الإعلامية والمؤسسات الحقوقية ، لعزل عبد اللطيف الحموشي وياسين المنصوري ومن وراءهما المؤسسة الأمنية الداخلية والخارجية عن عمقها الاستراتيجي المتمثل في الدعم الملكي اللامشروط والاحتضان الشعبي الشامل، لكن الخطاب الملكي رد بطريقته على الأباطيل وأسدل ستارا من الدعم اللامشروط من طرف أعلى سلطة في البلد إلى المؤسسة الأمنية .
6- رسائل إلى المعهد الألماني
أشار جلالته على أنه هنالك تقارير تجاوزت كل الحدود . فبدل أن تدعو إلى دعم جهود المغرب ، في توازن بين دول المنطقة ، قدمت توصيات بعرقلة مسيرته التنموية ، بدعوى أنها تخلق اختلالا بين البلدان المغاربية.
7- رسائل إلى دولة إسبانيا
صحيح أن هذه العلاقات مرت، في الفترة الأخيرة، بأزمة غير مسبوقة، هزت بشكل قوي، الثقة المتبادلة، وطرحت تساؤلات كثيرة حول مصيرها .
غير أن الاشتعال مع الطرف الإسباني، كان بكامل الهدوء والوضوح والمسؤولية .
فإضافة إلى الثوابت التقليدية ، التي ترتكز عليها ، فقد حرص جلالته على تعزيزها بالفهم المشترك لمصالح البلدين الجارين .
إذ أن جلالته صرح أنه تابع وبشكل مباشر وشخصي ، سير الحوار، وتطور المفاوضات.
ولم يكن الهدف هو الخروج من هذه الأزمة فقط ، وإنما أن نجعلها فرصة لإعادة النظر في الأسس والمحددات، التي تحكم هذه العلاقات .
وإذ يتطلع جلالته ، بكل صدق وتفاؤل ، لمواصلة العمل مع الحكومة الإسبانية، ومع رئيسها معالي السيد بدرو شانسيز ، من أجل تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة، في العلاقات بين البلدين، على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل، والوفاء بالالتزامات.
8- رسائل إلى دولة فرنسا
وهو نفس الالتزام، الذي تقوم عليه علاقات الشراكة والتضامن، بین المغرب وفرنسا، التي تجمعني برئيسها فخامة السيد إمانويل ماكرون ، روابط متينة من الصداقة والتقدير المتبادل .
بعد سرد أهم مضامين الخطاب الملكي ، ومحاولة متواضعة منا لتفكيكه رسائله ، يتضح جليا على أن عدم ذكر جلالة الملك للجزائر في خطاب ثورة الملك والشعب هي رسالة قوية في حد ذاتها ، فالملكية بتراثها التاريخي وخطابها المسؤول لم ولن تمنح كابرانات الجزائر شرف الرد ، فخطاب جلالة الملك السامي ، تجاهل سعارهم وقال لهم بالمرموز ، هددوا ما شئتم ، فتجاهلنا لإستفزازات نظام لئيم هو الجواب الصريح ، فجلالته في هذا المقام لا تنقصه أساليب الرد ولا يهاب المواجهة ، لكن ما من نظام عاقل يجيب على نظام مجنون و متناقض يحتاج إلى العلاج وليس الى الرد عليه في خطاب ملكي ، وكأن الرد لحكام الجزائر بأننا لن نساير حماقاتكم ولن نقدم لكم طوق نجاة من ورطتكم الداخلية، ولن نكون أبدا فرصة للتنفيس عن وضعكم المختنق. فمضمون الخطاب يقول صبرنا قد ينفذ.
كما أنه من الواضح أنه يمكن الاختلاف مع عقلاء فرنسا واسبانيا والمانيا، ويمكن أن تتأزم العلاقات بسبب سوء الفهم لكن هذا لا يمنع من الجلوس إلى طاولة المفاوضات والتوافق بناء على قواعد جديدة، لكن بالنسبة للجزائر فهي لا تستحق شرف الرد ، ولتمتط أعلى ما في خيلها .
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.