بمرور يوم 17 من شهر فبراير، تكون قد مرت أكثر من ثلاثة عقود على توقيع زعماء خمسة دول مغاربية، على معاهدة قيام الاتحاد المغاربي، دول هي ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.
كان الحلم كبيرا في تحقيق طفرة تنموية في كل المجالات، غير أن المشاكل السياسية حالت دون ذلك. سنة بعد أخرى يتأخر الاندماج، رغم المقومات الكثيرة بين الدول في الثقافة واللغة والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد، فهي من أكثر المناطق تجانسا.
اتحاد إقليمي لم يصل إلى المستوى المطلوب، بسبب الخلافات السياسية، خصوصاً بين الجزائر والمغرب، قطبا الاتحاد اللذان يمكنهما تحريك عجلته، رغم صعوبة التغاضي عن الملفات الساخنة بينهما خاصة ملف الصحراء.
قيام اتحاد المغرب العربي:
أعلن في سنة 1989، قادة الدول المغاربية بمدينة مراكش، عن تأسيس اتحاد المغرب العربي، كان الهدف هو تعزيز التعاون الإقليمي ومواجهة أوروبا الشريك الرئيسي لبلدان المغرب العربي، ومواكبة عصر التكتلات الإقليمية في العالم، لم يكتب للحلم أن يكبر وبقيت معاهدة الاتحاد حبرا على ورق، وجمدت مؤسسات الاتحاد، إذ لم تعقد أي قمة على مستوى رؤساء الدول منذ قمة تونس عام 1994.
حسب القانون، يتألف الاتحاد من رؤساء الدول الأعضاء وهو أعلى جهاز في الاتحاد، وتكون رئاسة المجلس لمدة سنة بالتناوب بين رؤساء الدول الأعضاء، ولمجلس الرئاسة وحده سلطة اتخاذ القرار بإجماع أعضائه.
يضم الاتحاد أيضا مؤسسات توجد كل واحدة منها في دولة، وهي الأمانة العامة ومجلس الشورى والهيئة القضائية والأكاديمية والمصرفية المغاربية للاستثمار والتجارة الخارجية وجامعة المغرب العربي.
وكانت معاهدة اتحاد المغرب العربي، قد نصت على توثيق أواصر الأخوة التي تربط الأعضاء وشعوبهم بعضهم ببعض، والمساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف والعمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص، وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها.
التسمية الأصلية هي “اتحاد المغرب العربي”، تسمية تثير انتقادات كثيرة خصوصاً من طرف الحركة الأمازيغية، وسبق لسعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربي السابق، أن اقترح استبدالها بالاتحاد المغاربي، حين كان وزيراً للخارجية في حكومة عبدالإلاه بنكيران، لأن مصطلح الاتحاد المغاربي، يجمع كل الهويات والثقافات واللغات المشتركة على امتداد دول الاتحاد مثل العربية والامازيغية.
معيقات الاتحاد:
تبلغ مساحة دول الاتحاد المغاربي مجتمعة أكثر من 5 ملايين كلم²، ويبلغ عدد السكان أكثر من 100 مليون نسمة، غالبيتهم يعيشون في المغرب والجزائر، بلدان يملكان أقوى اقتصادين.
ويظل نزاع الصحراء من الأسباب الرئيسية لفشل الاتحاد حتى الآن، حيث تحتضن الجزائر “جبهة البوليساريو” وتدعمها دبلوماسيا وعسكريا. فيما يتشبث المغرب بمقترح الحكم الذاتي في أقاليمه الجنوبية.
لم يفوت جلالة الملك محمد السادس، في خطاب شهر نوفمبر 2018، بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء التي استرجع من خلالها الصحراء، بأن يقترح آلية للحوار بين المغرب والجزائر لتجاوز الخلاف القائم. واعتبر مصالح الشعبين في الوحدة والتكامل والاندماج، دون الحاجة لطرف ثالث للتدخل أو الوساطة.
جلالة الملك في خطاب السنة الماضية فقط، جدد دعوته في إطار سياسة “اليد الممدودة”، لإظهار حسن نية المغرب، ودوما إلى جانب دول الاتحاد، إذ ساهم في الوقوف إلى جانب ليبيا للخروج من أزمتها باحتضان فرقائها عبر اتفاق الصخيرات، كما انه من داعمي تصدير المواد الغذائية الأساسية لموريتانيا.
قضية الصحراء واحدة فقط من بين معيقات أخرى، إذ لا يمكن تفسير ضعف التجارة البينية المغاربية بالأزمة بين المغرب والجزائر، فماذا يمنع تطوير المبادلات بين تونس والجزائر مثلا؟ أوبين الجزائر وليبيا؟ ومع موريتانيا؟ فقد طغى العامل السياسي منذ البداية في إنشاء الاتحاد المغاربي على الجانب الاقتصادي، فإضافة إلى سوء العلاقة بين الجزائر والمغرب، عاشت الجزائر الحرب الأهلية سنوات التسعينيات، تعرضت فيها للكثير من الهزات أودت بحياة الكثيرين.
ليبيا عاشت أيضا حالة الحصار سنة 1992، إثر اسقاط طائرة لوكربي، إذ امتعضت طرابلس من موقف دول الاتحاد، وتقيدها بالحظر الدولي المفروض عليها.
وعكس الفكر الوحدوي السائد قبل الاستقلال، أصبح هناك توجه نحو مزيد من القطرية حتى بين النخب، أي كل نخبة تعزز وطنتيها داخل دولتها. فيما إمكانيات المجتمع المدني للدفع بعجلة الاتحاد بدوره ضعفت، وكل قوى مدنية تشتغل داخل دولتها، خصوصا مع الحركات الاجتماعية الكثيرة في كل دولة على حدا.
نسب تنموية ضائعة:
تعد اقتصادات الدول الخمس المشكلة للاتحاد مكملة لبعضها البعض، فالاتحاد في حال تفعيله سيحقق الاكتفاء الذاتي للدول في معظم حاجياتها.
نجاح الاتحاد المغاربي، من شأنه أن يعزز مستوى النمو لدول المنطقة، وسيمكن من تحقيق تكامل بين اقتصادات الدول، فتحقيق الاندماج الاقتصادي المغاربي سيساعد على مواجهة الصعوبات الناتجة بالخصوص، عن الأزمات المالية والاقتصادية الدولية المتتالية.
وضعية “اللا إتحاد” تكلف البلدان الخمسة خسارة بالنسبة للمبادلات التجارية بملايير الدولارات، ويتسبب عدم تفعيل مؤسسات الاتحاد في تضييع ما يقارب 2 إلى 3 نقاط نمو سنويا. حيث لا تمثل المبادلات التجارية بين البلدان المشكلة للاتحاد سوى 2 في المائة من قيمة معاملاتها الخارجية. أمام غياب وحدة التبادل الحر والسوق المشتركة، رغم وجود مجتمع دينامي.
ضرورة التكتل الإقليمي:
في ظل ما تواجهه من تحديات، والدعوات الرسمية بالتقارب غير المفعلة، يظل حلم الاتحاد مرتبطا بأمور سياسية وسيادية لكل دولة، وفي ظل ارتهان كل دولة بما يجري داخلها حفاظا على استقرارها، من هنا تبحث كل دولة بطرقها الخاصة على منافذ أخرى شمالا كما جنوبا، أي بحثا عن معاهدات واتفاقيات مع الاتحاد الاوروبي او بعض دوله، وأيضا الى الجنوب الافريقي. وهنا طلب المغرب وموريتانيا وتونس الانضمام إلى تجمع دول غرب إفريقيا، وهي من التجمعات الاقتصادية في القارة الإفريقية.
في برنامج “بلا حدود” بثته قناة الجزيرة يوم 23/01/2019، صرح ناصر بوريطة وزير الخارجية: “ماضينا واحد وقدرنا أن نبقى جيران، وواقعنا امام تحديات كبيرة فإما ان ننتصر جميعا او نخسر جميعا، والامر الاساسي أننا لا نحتاج الى وسطاء لحل المشاكل.” وأضاف: ” نحن أضعف منطقة على مستوى الاندماج الاقتصادي عالميا ب 2.3في المئة. نحن نضيع 2 في المئة نسبة نمو لكل دولة، ونضيع تطور الدخل الفردي بنسبة 34 في المئة.”
إن اقتصادات الدول المغاربية هي اقتصادية تبادلية، بمعنى أنها قائمة على التجارة مع العالم الخارجي بنسبة كبيرة، ما يجعلها تحت الضغوط الأجنبية، بالتالي فرصة التنسيق تضيع، إذ ليس هناك تعزيز لموقع تفاوضي فيما يتعلق بالقضايا المشتركة بين الدول، فالدول المغاربية تتفاوض فردياً مع الاتحاد الأوروبي وتوقع معه اتفاقات شراكة ثنائية.
ومن النقط الأساسية أيضا التي تستدعي ضرورة إنجاح التكتل الاقليمي، تنامي العمليات “الإرهابية” وامتداد الجماعات المتطرفة في المناطق المجاورة للدول المغاربية، وازدياد الهجرة السرية نحو أوروبا من وعبر الأقطار المغاربية، عوامل تفرض مزيداً من التنسيق بين الدول المغاربية والتشبث بأمل الاتحاد المغربي.
عبداللطيف بن الطالب