وفاة محمد المليحي تفقد الفن المغربي المعاصر أحد أعمدته ورواده
المليحي… شغف لامحدود بالحياة
ولد الفنان المغربي أحمد المليحي عام 1936 بمدينة أصيلة من عائلة برجوازية تقليدية. وقد كان شخصا ثائرا ومتفائلا، الشيء الذي جعله يشارك في العديد من النضالات الفنية، و لقد كان المليحي بالنسبة لأصدقائه شخصا شغوفا بالحياة، إلا أن فيروس كورونا أنهى ذلك الشغف بوضع حد لحياة هذا الفنان المبدع يوم الأربعاء المنصرم بأحد مستشفيات باريس.
بداياته الفنية
كان محمد المليحي في السابعة عشرة من عمره عندما التحق بمعهد الفنون الجميلة في تطوان عام 1953، ودرس هناك ما بين عامي 1953 و 1955 ، ثم توجه بعدها مباشرة إلى مدينة إشبيلية ليلتحق بمدرسة “سنانتا إيزابيل دي هنغاريا”، وبعدها بعام التحق بـ”المدرسة العليا للفنون الجميلة سان فرناندو” في مدريد، ثم أكمل دراساته الفنية في معهد ستاتالي في روما. ومع مطلع الستينيات، التحق بمعهد الفنون الجميلة في باريس، وبعدها حظي بمنحة دراسية لمدة سنتين من مؤسسة “روكفلير” في جامعة كولومبيا، وهكذا طور انفتاح المليحي على تجارب فنية متنوعة وثقافات مختلفة من أدائه الفني، وكان ذلك منطلق مساره في مجال الفن التشكيلي.
حركة الأمواج
في عام 1961 ، سافر الشاب المليحي إلى الولايات المتحدة ، حيث أصبح أستاذًا مساعدًا في مدرسة مينيابوليس للفنون، هناك اكتشف تقنيات جديدة و جمالية متعلقة بالفن البصري وقام بدمج شكل الموجة للمرة الأولى في لوحاته. ومنذئذ، عرف عن المليحي ميله لرسم الأمواج في لوحاته، وظل ينقلها من لوحة إلى أخرى على إيقاع متغير من الألوان والأشكال و الأحجام حتى أصبحت توقيعه الذي تحمله معظم لوحاته. وظهر المليحي سنة 1963 في معرض “Formalists” التاريخي في معرض واشنطن للفنون الحديثة ، وفي نفس العام في معرض ” Hard Edge and Geometric Painting ” في نيويورك.
العودة إلى الديار
بعد عودته إلى المغرب عام 1964 ، اشتغل محمد المليحي مدرسا للفنون في مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء، وشكل برفقة الراحلين فريد بلكاهية ومحمد شبعة ثلاثياً مهما كان له بالغ الأثر في تحول مسار الفن التشكيلي في المغرب.
عُرف عن الثلاثي المليحي، بلكاهية و شبعة تكوينهم الفني البانورامي ومرجعيتهم الفكرية الحداثية. وطرحوا نهاية الستينيات فكرة جديدة سموها “الفن الواضح”، وأقاموا معرضاً جماعياً في ساحة جامع الفنا الشهيرة في مدينة مراكش، وناقشوا مع الحاضرين أفكارهم الجديدة في مغرب فتي لا يزال قيد إرساء أسس الحداثة.
إسهامات المليحي في مجال الفن والآداب
في عام 1971 ، أسس المليحي مع الشعراء مصطفى نصبوري والطاهر بن جلون مجلة الفن والأدب Intégral. كما كان المليحي عضوا في جماعة مجلة “أنفاس” اليسارية والطليعية التي كان يرأس تحريرها عبد اللطيف اللعبي، و أسهم في تصميم غلاف المجلة و إخراجها دون مقابل مادي، و ذلك دعما منه لهذه الحركة الرائدة آنذاك.
في عام 1978 ، أصبح محمد المليحي القوة الدافعة لموسم أصيلة ، وهو مهرجان ثقافي دولي شارك في تأسيسه مع محمد بن عيسى. وفي هذا السياق، يشهد له مؤرخ الفن المغربي والمنسق إبراهيم العلوي بأنه “في غضون سنوات قليلة حول قرية صيد إلى عاصمة ثقافية ومتحف في الهواء الطلق”.
يذكر بأن إنجازات الفنان الراحل لا تقف عند هذا الحد، إذ كان وفير العطاء للفن المغربي المعاصر الذي وضع لبناته الأولى رفقة رواد آخرين. وقد كان لوفاته بالغ الأثر في ساحة الفن التشكيلي المغربي و العالمي، كما أن الملك محمد السادس بعث ببرقية تعزية ومواساة إلى أفراد أسرة المرحوم، وصفه فيها بأحد الرواد الكبار للفن التشكيلي المغربي المعاصر المشهود له بالإبداع والتألق وطنيا ودوليا.
سكينة نايت الرايس- أكادير 24