في الجواب عن هذا السؤال، لن أدخل في متاهات تعريف حق الدفاع وتجلياته كضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة فالمراجع فيه غزيرة.. ولن أتيه في مفهوم السر المهني فقد كتب فيه ما لم يكتب في غيره…
ولكن سأحاول وضع بعض النقط على بعض الحروف، عسى أن يكمل أحد المتخصصين ما سأبدأ….
أولا: يتسم قضاء التحقيق بالسرية أثناء البحث، ضمانا لعدم انثار الأدلة وعدم طمس الحجج… وهذه السرية أكدتها المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية، ونصت على أن كل من ساهم في اجراءات البحث أو التحقيق ملزم بهذه السرية تحت طائلة المتابعات… وإن من بين المساهمين المباشرين في التحقيق هناك قاضي التحقيق والمحامي وكاتب الضبط… وكلهم ملزمون بالحفاظ على هذا السر….
ثانيا: إن المادة 139 من قانون المسطرة الجنائية لم تتضمن أي مقتضى يمنع المحامي من تصوير محضر الشرطة القضائية بعد احالة الملف على التحقيق، بل نصت على وجوب وضع الملف رهن اشارة الدفاع، وكما هو معلوم فالأصل هو الاباحة ما لم يرد ما يمنع…
ثالثا: سبق للحكومة أن صاغت مسودة مشروع قانون لتعديل المادة 139 من قانون المسطرة الجنائية، وقد جاء في مسودة هذا التعديل مايلي:
“يمكن لكل من محامي المتهم ومحامي الطرف المدني الحصول على نفقتهما على نسخة من محضر الشرطة القضائية وباقي وثائق الملف. غير أنه يمكن لقاضي التحقيق تلقائيا أو بناء على ملتمسات النيابة العامة، أن يأمر بعدم تسليم نسخة من المحضر أو باقي وثائق الملف كليا أو جزئيا إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، متى تعلق الأمر بالجرائم المنصوص عليها في المادة 108من هذا القانون أو بجرائم الرشوة أو استغلال النفوذ أو الاختلاس أو التبديد أو الغدر أو غسل الأموال.
يقبل أمر قاضي التحقيق الصادر بالقبول أو الرفض الاستئناف خلال اليوم الموالي لصدوره طبقا للمقتضيات المتعلقة باستئناف أوامر قاضي التحقيق. ويستمر أمر المنع الصادر عن قاضي التحقيق إذا تعلق الأمر بطعن بالاستئناف في أحد قراراته أمام الغرفة الجنحية، حيث يتعين على رئيسها المحافظة على سرية الملف والوثائق المدرجة به طيلة مراحل المسطرة.
تبت الغرفة الجنحية بقرار غير قابل لأي طعن داخل أجل خمسة أيام من تاريخ تقديم الطعن.
وفي جميع الأحوال، ينتهي مفعول الأمر بعدم تسليم الوثائق المذكورة قبل 10 أيام من تاريخ الاستنطاق التفصيلي الذي يستدعى له المحامي وفق الإجراءات المبينة في الفقرة الثانية أعلاه.
بالإضافة إلى وجوب الحفاظ على سرية التحقيق، يمنع على المحامي تسليم نسخة من المحضر أو الوثائق التي يحصل عليها عملا بمقتضيات هذه المادة لأي كان. ويعاقب على خرق هذا المقتضى بالعقوبات المقررة في الفصل 446 من مجموعة القانون الجنائي …”.
هذا التعديل تمت احالته على المجلس الدستوري بطلب من 87 عضوا من مجلس النواب، وذلك للنظر في مدى مطابقته للدستور خاصة فيما يتعلق بحقوق الدفاع، فقرر المجلس الدستوري عدم مطابقة هذا التعديل للدستور تماما وذلك بتعليل جاء فيه:
“وحيث إن حق الدفاع، المضمون أمام جميع المحاكم بموجب الفصل 120 من الدستور، يعد الحق الأساسي الذي من خلاله تمارس الحقوق الأخرى المتصلة بالمحاكمة العادلة، وهو حق ينشأ للمتهم منذ توجيه التهمة إليه إلى حين صدور الحكم النهائي في حقه؛
وحيث إن حق الدفاع ينطوي على حقوق أخرى تتفرع عنه، من ضمنها حق الاطلاع والحصول على الوثائق المدرجة في ملف الاتهام المتوفرة لدى النيابة العامة، مراعاة لمبدأ التكافؤ بين سلطتي الاتهام والدفاع؛
وحيث إن مبدأ المساواة بين المتهمين أمام قواعد الإجراءات القضائية، الذي يعد من مظاهر المساواة أمام القانون، يقتضي، مبدئيا، أن يتمتع محامو المتهمين وكذا محامو الطرف المدني، في كافة الجرائم، بنفس الشروط وبنفس الآجال لإعداد دفاعهم؛
وحيث إنه، لئن كان يحق للمشرع، لا سيما من أجل حماية أمن وحرية المواطنات والمواطنين وضمان سلامة السكان وسلامة التراب الوطني وصيانة المال العام، كما هو وارد على التوالي في تصدير الدستور وفي فصليه 21 و 36، أن يسن، في المجال القضائي، قواعد وإجراءات خاصة استثنائية من الإجراءات العامة، من بينها حق قاضي التحقيق في أن يأمر، تلقائيا أو بناء على ملتمسات النيابة العامة، بعدم تسليم نسخة من محضر الشرطة القضائية وباقي وثائق الملف كليا أو جزئيا إلى محامي المتهم ومحامي الطرف المدني، وذلك من أجل توفير شروط حسن سير التحقيق في جرائم خطيرة ومعقدة منصوص عليها في المادة 108من قانون المسطرة الجنائية وكذا جرائم الرشوة أو استغلال النفوذ أو الاختلاس أو التبديد أو الغدر أو غسل الأموال، فإن المشرع، المقيد دائما بضرورة احترام المبادئ الرامية إلى صيانة الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع، ومن ضمنها حق التقاضي المضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون وحق الدفاع المنصوص عليهما على التوالي في الفصلين 118 و 120 من الدستور، يتعين عليه إحاطة الاستثناء المشار إليه أعلاه بأكبر قدر من الضمانات، لاسيما ما يتعلق منها بأجل تسليم ملف القضية كاملا إلى محامي المتهم ومحامي الطرف المدني، وهي ضمانات من شأنها تحقيق التوازن بين مستلزمات حسن سير التحقيق في الجرائم المذكورة ومتطلبات حقوق الدفاع؛
وحيث إن أمر قاضي التحقيق بعدم تسليم محضر الشرطة القضائية وباقي وثائق ملف القضية كليا أو جزئيا، باعتباره استثناء يمس بمبدإ تمتع الجميع بنفس حقوق الدفاع المضمونة أمام المحاكم وبمبدإ المساواة بين المتهمين، إذا كانت تبرره مستلزمات حسن سير التحقيق في جرائم من نوع خاص، فإن ممارسته يجب أن يراعى فيها تخويل محامي المتهم ومحامي الطرف المدني، بعد تسليمهم نسخة من ملف القضية كاملا، الحيز الزمني الكافي المتناسب مع نوعية الجرائم المذكورة، قصد إعداد دفاعهم؛
وحيث إنه، لئن كانت مقتضيات القانون رقم 129.01 القاضي بتغيير المادة 139 من قانون المسطرة الجنائية أتت بضمانات من شأنها الإسهام في صيانة حقوق الدفاع في مرحلة التحقيق، فإن امتداد مفعول الأمر بعدم تسليم محضر الشرطة القضائية وباقي وثائق الملف، كليا أو جزئيا، إلى محامي المتهم ومحامي الطرف المدني، وعدم انتهائه إلا عشرة أيام قبل بدء الاستنطاق التفصيلي، من شأنه أن يخل بمبدإ التوازن بين حسن سير التحقيق وحسن ممارسة حقوق الدفاع، الذي يعد من ضمانات المحاكمة العادلة، مما يجعل القانون رقم 01. 129 المذكور، من هذه الوجهة، غير مطابق للدستور؛”
قرار المجلس الدستوري عدد 13/921 بتاريخ 13 غشت 2013 في الملف عدد 13/1377.
وبذلك صرح المجلس الدستوري أن التعديل الذي يعدف الى حرمان المحامي من حق تصوير المحضر، يعتبر تعديلا مخالفا للدستور، وغير مطابق له، وبالتالي عدم جواز ادخاله.
رابعا: إنه من المعلوم دستوريا، أن قرارات المحكمة الدستورية غير قابلة لأي طعن عادي أو غير عادي، وهي ملزمة لجميع السلطات بما فيها السلاطات القضائية والإدارية، وذلك طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 134 من قانون المسطرة الجنائية التي جاء فيها:
“لا تقبل قرارات المحكمة الدستورية أي طريق من طرق الطعن، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية.”.
خامسا: إن قضاة التحقيق الذين يمنعون الأساتذة المحامين من حق تصوير محاضر الشرطة القضائية الملفاة بملف التحقيق، يكونون، بلا شك، خارقين للقانون أولا، وخارقين لقرار المحكمة الدستورية الملزم لهم ولغيرهم من المؤسسات،عملا بالفصل 134 أعلاه.
سادسا: إن ما تجب اثارة الانتباه إليه، أن العلاقة التي تجمع الأساتذة المحامين بالسادة القضاة، علاقة أساسها المشاركة في تحقيق العدالة والوصول إلى الحقيقة، وإن هذه الغاية لا تحقق الا بالتعاون المشترك بينهما.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل….
الأستاذ الباقوري عبدالرحمان، محام متمرن بهيئة المحامين بالدارالبيضاء، وباحث في القانون.