رغم كل ما تعرضت له من انتقادات وتشويش، صمدت قطر في وجه عالم غربي أصبح لا يعترف بالآخر، وقالت بكل وضوح إن الغرب ليس في مستوى أن يكون ناطقا باسم الإنسانية. لم يكتف العالم الغربي بممارساته في إلغاء الآخر وعدم الاعتراف بالحق في الاختلاق، بل حاول فرض قوانينه داخل دولة قطر والجهر بتحديه لقوانينها الداخلية وعلى أراضيها وفي ضيافتها. لكن دولة قطر لم ترتكن لدور المتفرج أمام تعالي بعض الدول الغربية، بل حرصت على احترام قوانينها من قبل المنتقدين بعد أن حذرتهم أنهم في ضيافة المجتمع القطري، وأن حسن الضيافة لا يعني البثة مخالفة قوانين الدولة.
قامت قطر بفرض احترام قوانينها، وهو حق مشروع، لأنها تعرف جيدا أنها لن تقف أمام باب البنك الدولي طلبا لقرض، ولن تطلب مساعدة دولة غربية في الحصول على هذا القرض، فهي في منأى عن تلك الابتزازات الغربية. قامت دولة قطر بفرض احترام الغرب لشعبها ولقوانينها، لأنها تعرف جيدا أن الغرب هو من سيقف ببابها للبحث عن غاز التدفئة والبيترول الضروري لتحريك عجلة اقتصاده.
إن الحملة التي يشنها الغرب على قطر، ليست من أجل حقوق كونية، ولا من أجل الدفاع عن فئات معينة، وإنما الغرض الرئيسي من تلك الحملة هو طمس صورة بلد انخرط في الحداثة والعصرنة وأصبح قادرا على فرض موقعه بين الدول المتقدمة. المثلية وحقوق العمال والحق في الاجهاض كلها مجرد أسلحة تستغلها الدول الغربية من أجل الابقاء على العالم كما هو: بلدان غربية متقدمة تتحكم في العالم، وبلدان تنتمي للعالم الثالث تزوده بالمواد الأولية والتي يجب أن تبقى ضعيفة لتبقى مصالحه في مأمن من كل خطر. الدليل على هذا القول هو كأس العالم الأخير الذي نظمته روسيا الاتحادية. هذا البلد تجرم قوانينه المثلية الجنسية، وحذر الفيفا بأنه لن يقبل بها على أراضيه. لم يشن الغرب حملة على روسيا كما فعل مع قطر، وإنما دعى المشجعين من العالم الغربي بعدم إظهار تلك الميولات الجنسية واحترام اختيارات الروس. فعل الغرب ذلك لأنه أمام دولة قوية وعضو في مجلس الأمن الدولي وتملك حق الفيتو.
لكنه مع قطر استعمل أسلوبا آخر مبنيا على الضغط والحملة الإعلامية ومحاولة تشويه سمعة البلد. فلم يتعامل الغرب مع قطر كما تعامل سابقا مع مونديال روسيا بدعوة المشجعين احترام ثقافة وقوانين قطر. الهدف الأساسي من تلك الحملة هو أن الغرب لا يعترف بحق قطر في التنمية والتطور والتقدم والازدهار. فهي مجالات محفوظة للغرب فقط، لذلك ثارت ثائرته حين وجد نفسه أمام بنية تحتية متفوقة على ما هو موجود في الدول الغربية، وملاعب بلغت من الرقي المعماري مستوى لم تعرفه نهائيات كأس العالم السالفة، ودولة صغيرة قادرة على تنظيم أكبر تظاهرة عالمية باحترافية ومستوى رفيع… لا يريد الغرب سماع ذلك، ولذلك تجده لا يتحدث عن إنجازات قطر في تلك المجالات ويختصر حملته الفاشلة في مواضيع المثلية والاجهاض وحقوق العمال وكأنه لا يرف له جفن حين تهضم الحقوق.
قطر أنجزت مشروعا متكاملا أحاط بالحدث الرياضي من كل الجوانب. فإلى جانب البنيات التحتية المتطورة، والتنظيم الجيد، وفرض الاحترام الواجب للبلد المنظم، أنشأت قطر شبكة إعلامية دولية قادرة على مواجهة قوة الإعلام الغربيي. وبذلك استطاعت قطر أن تروج في العالم الصورة الحقيقية للمونديال مقابل الصورة المغرضة التي يحاول الترويج لها الإعلام الغربي. لذلك نجد بعض الأصوات من داخل العالم الغربي التي فهمت اللعبة وأصبحت تتسائل: كل ما تطلبه قطر هو أن نحترم ثقافة شعبها وقوانين بلدها؟ فلماذا لا نستجيب لطلب دولة تستقبلنا بحفاوة؟ حينها أدركت تلك الأصوات أن الحملة الإعلامية ضد قطر غير بريئة.
نجحت قطر في تنظيم أشهر مونديال، ووجهت رسالة للعالم حول حق دول العالم الثالث في التنمية والتقدم والازدهار لشعوبها. وفشلت الحملة الإعلامية للدول الغربية كما فشلت معها محاولاتها لفرض ثقافتها على دولة قطر. وبدأت تتعالى في هذه الدول الغربية أصوات تطرح الكثير من الأسئلة:
متى كان الغرب يهتم بمصالح شعوب العالم وبحقوقهم الكونية لكي نصدقه في مزاعمه؟
لو كان الغرب صادقا لتحدث عن هذه المواضيع في كل البلدان وليس وفق أجندات من أجل الضغط؟
لماذا تزامنت هذه الحملة مع تنظيم قطر لأكبرتظاهرة عالمية؟
اختار الغرب نموذجا مخالفا للفطرة الإنسانية وهو لا يعرف مآلات هذا الاختيار على مجتمعه في المستقبل، فكيف يريد من الآخر أن يسير معه في طريق قد يفضي إلى كوارث قد تدمر الإنسان؟
لماذا هذا اللغط الكبير حول المثلية؟ وأين هي حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة؟ لما ذا لا ينعمون هم أيضا بنفس الدعم الذي تعرفه المثلية؟ أين هي حقوق الجوعى عبر العالم؟ أين هي الديمقراطية في الدواء والاستشفاء والتعليم؟
وأخيرا نقول لهذا الغرب أين هو الحق في مجرد الحياة لكثير من الشعوب؟