خلال زيارتي لعاصمة البرتغال لشبونة، درستُ ما تيسر من تاريخ المدينة والأماكن السياحية المعروفة فيها. ومن بين الأماكن التي يتم الترويج لها بشكل استثنائي، مخبزة للحلويات. في بادئ الأمر لم أفهم هذا الترويج المبالغ فيه لمخبزة علما أن ليشبونة تعج بالمخبزات وأماكن الحلويات. لكن القائمين على الترويج السياحي للمدينة، يُقدِّمون المخبزة على أساس أنها تعود للقرن الثامن عشر وأن السائح في هذا المكان سيعيش تجربة أشخاص كانوا يترددون على نفس المكان منذ ذلك التاريخ، يجلس كما كانوا يفعلون ويأكل نفس الحلوى التي كانوا يتمتعون بمذاقها وهي الحلوى التي يسميها البرتغاليون “حلوة الناتا”.
الوصوا إلى هذه المخبزة لم يكن باليسير لأنها بعيدة جدا عن مركز المدينة وتتواجد في حي لا يتوفر على أماكن سياحية سوى تلك المخبزة التي تعود لأكثر من قرنين. رغم تلك الصعوبة قررتُ زيارة هذه المخبزة لأعيش تجربة تعود للقرن 18 كما يتحدث عن ذلك الدليل السياحي. وعند وصولي للمكان كانت مفاجأتي كبيرة حين رأيت ذلك الطابور من السياح من مختلف الأجناس تنتظر تذوق حلوى تنتمي لمطبخ القرن 18 وتلك السلسلة من الحافلات السياحية وهي تبحث لها عن مكان تلجؤ إليه لتفريغ المزيد من السياح.
سبب هذا الكلام هو افتتاح مشروع تيليفريك أكادير. وهو الإفتتاح الذي كان باهتا ولم يخرج عن الطقوس النمطية للتدشينات من حضور بعض الشخصيات والأعيان للقيام بقص الشريط وبجولة في مرافق المشروع بحضور صحافة تركز على تصوير الحركات والوجوه، دون القيام بأي مجهود لتثمين المنتوج السياحي وبيع المشروع للزوار.
التدشين الباهت لمشروع من حجم التيليفريك، جعل منه مشروعا لا يخرج عن دائرة مجموعة من التجهيزات والآلات، يؤدي الزبون ثمن التذكرة قبل الاستفادة منها. علما أن المشاريع السياحية ليست كباقي المشاريع سواء الصناعية أو التجارية. فالمشروع السياحي يخضع لمعايير أخرى ومنطق مغاير في الترويج التجاري، ومن ذلك ربط المشروع بمعلمة حضارية أو منظر بانورامي أو بتاريخ عرفته المنطقة.
الأكيد أن زوار مدينة أكادير من خارج المغرب سبق لهم أن استعملوا التيليفريك في مدن سياحية أخرى. وغياب البعد التاريخي وذاكرة أكادير قبل الزلزال عن الترويج للمشروع، سيجعل من تيليفريك أكاديرأقل أهمية قياسا لباقي المشاريع الأخرى في المدن العالمية التي تجعل رحلة التيليفريك مرتبطة بمتعة المناظر الخلابة من غابات وجبال وإطلالة رائعة على مدن عالمية ورائدة في السياحة. من هذا الجانب، لا يمكن لتيليفريك أكادير منافسة باقي المشاريع لأن الإطلالة التي يُتيحها المشروع لا يمكنها أن تضاهي ما تحدثنا عنه في باقي المدن العالمية.
المشاريع الناجحة هي تلك التي تتميز بقيمة مضافة عن باقي المشاريع المنافسة. لذلك نقول كان بالإمكان أن يكون لتيليفريك أكاديرقيمة مضافة، وأن يكون مشروعا متميزا عن باقي المشاريع الأخرى لو تم الترويج له في إطار ذاكرة مدينة الإنبعاث التي دمرها الزلزال. ولو تم التركيز على المكانين اللذين يربط بينهما التيليفريك ونقصد تالبرجت وأكادير أوفلا، لتسنى للسائح الغوص في ذاكرة مدينة سحقها الزلزال، ولكانت رحلة السائح في عربات التيليفريك تجربة فريدة تجمع بين ذاكرة المدينة وواقعها الحالي. ومثل هذه المغامرات هي التي تشكل الرافعة لبيع المشروع السياحي واستقطاب عدد كبير من السياح. لو تم الربط بين مشروع التيليفريك وذاكرة المدينة قبل الزلزال لتسنى للسائح أن يعيش فترة زمنية في انسجام تام مع أجواء كانت سائدة قبل أن يمحوها الزلزال الذي ضرب المدينة، كما يفعل السائح حين يزور مخبزة للحلويات في العاصمة البرتغالية تعود للقرن 18.
كان على المروجين للمشروع على الأقل تسميته “تيليفريك أكادير أوفلا” وتركيز حديثهم عن تالبرجت وهي المكان الذي تنطلق منه العربات، وقصبة أكادير أوفلا المكان الذي تقصده نفس العربات. ولو تم تشييد مقهى على شاكلة مقهى “مازور” الذي كانت تفتخر به القصبة قبل الزلزال، لقلنا أن لدينا فعلا ترويج سياحي يقوم به محترفون يفهمون جيدا في كون المشروع الناجح هو الذي يستعمل ضوابط المشاريع المندمجة (Projets Intégrés). وهذا ما نتمناه لمدينتنا لكي يكون مشروع التيليفريك رافعة لاستقطاب السياح في سوق سياحية عالمية تشهد منافسة كبيرة.
سعيد الغماز