أمام الارتفاع المهول لحالات الانتحار، و ما تنقله لنا مختلف وسائل الاعلام ، عن هذه الظاهرة المخيفة التي تسللت لمجتمعنا في صمت ، ضاربة عرض الحائط بكل القيم التي تميزنا عن المجتمعات الغربية ، فأصبحنا نستفيق ونمسي على خبر حالات متفرقة هنا وهنا في حواضرنا كما في قرانا ، بين مختلف شرائحنا الاجتماعية .
وغوصا في بحر إشكالية ظاهرة الانتحار ، و البحث في مسبباتها ودوافعا ، نقف على ما اجمع عليه الباحثون في علم الاجتماع وعلم النفس، على أن الانتحار ظاهرة اجتماعية لها مسببات عدة ، قد يكون منها ماهو متعلق بعدم الاندماج الإجتماعي و الإفراط في العزلة والانطواء ، أو ما يتعلق منها بالإكتئاب والإحساس بالتهميش أو الحكرة داخل الأسرة وةالشارع وحتى العمل …
لكن من الناحية المعنوية قد يكون من مسببات الانتخار ايضا ، الإحساس بالظلم والحكرة ورفض كل قواعد السلوك وأساليب الضبط الإجتماعي ، خاصة عندما يشعر الفرد بعدم وجود تكافؤ الفرص والعدالة الإجتماعية ، والانصاف وهو امر في بالغ الاهمية وجب التنبيه والتوعية لآثارها الجانبية على الأمن الإجتماعي ، و حالات إستثنائية تطفوا بشكل كبير في فترات الازمات المالية والإقتصادية ،نتيحة الإتساع الكبير لهامش البطالة و تسريح العمل و ندرة فرص الشغل ، وتعقد مباشرة المبادرات المدرة للدخل خاصة مع كثرة القطاعات غير المهيكلة ( الباعة المتحولين مثلا) والاحتكاك مع السلطات المكلفة بنفاد القانون واحترام مقتضياته .
و على العموم فإن ظاهرة الانتحار هي نتيجة تدهور نفسي ، قد يكون له اسباب عدة ، خاصة عندما لا يجد الشخص آذانا صاغية أو سندا في المحن التي يمر بها، كحالات إضرام النار في الجسد التي تلخصها ما اضحى يعرف بالظاهرة البوعزيزية.
ووقوفا على حقل القانون وبمراجعتنا لموقف المشرع المغربي من فعل الإنتحار في القانون الجنائي، نجده أنه لم ينص على أية عقوبة على هذا الفعل ، سواء كان فرديا أو جماعيا.
كما أنه لا توجد عقوبة لمحاولة الانتحار ، غير أنه أفرد نصوصا لعدم الإفلات من العقاب ، لكل من قام بفعل المساعدة عن علم و متى توفر القصد الجنائي في مباشرة الأعمال التحضيرية للانتحار ، بتنصيصه على عقوبة حبسية تتراوح بين سنة إلى خمس سنوات.
كما أن عدم التدخل لإنقاذ شخص في خطر يعاقب عليه بالحبس والغرامة( جنحة عدم تقديم مساعدة لشخص في خطر ) .
حيث نجد أن الفصل 407 من القانون الجنائي ، ينص على أن كل شخص ساعد عن علم في الأعمال التحضيرية أو المسهلة للانتحار أو زود الراغب في الانتحار بأية وسيلة من الوسائل اللازمة للانتحار، مع علمه (الشخص) أنها ستستعمل لهذا الغرض، أي ضرورة اشتراط العلم بعملية الانتحار فإنه يعاقَب بعقوبة حبسية من سنة إلى خمس سنوات .
غير أنه وفي غياب أي نص قانوني للعقاب على فعل الانتحار ومحاولته ، فإن النيابة العامة تكون مطالبة بتحريك الفصل 407 عند كل عملية انتحار أو محاولة انتحار للبحث ، عما إذا كانت عناصر الفصل المذكور متوفرة، علما أن عملية الانتحار، خاصة الجماعي منه، تسبقها إستعدادات وتنسيقات بين الراغبين في الإنتحار، كمن يتعرض لضغط معنوي يدفعه إلى الإقدام على فعل الإنتحار .
ونرى من وجهة نظرنا القانونية المتواضعة ،أن الانتحار أو محاولة الإنتحار في حال وقوعهما ، تنطبق عليهما مقتضيات الفصلين 128
و 129 من القانون الجنائي المغربي في حال توفر عناصرهما، حيث يعتبر مساهما في الجريمة كل من ارتكب شخصيا عملا من أعمال التنفيذ المادي لها.
كما يعتبر مشاركا في الجناية والجنح من لم يساهم مباشرة في تنفيذها، لكنه أمر بارتكاب فعل الانتحار أو حرض على ارتكابه، إما بالوعد أو التهديد أو حتى بإساءة استغلال سلطة.
وكذلك الشأن بالنسبة إلى كل من قدم سلاحا أو أدوات أو أي وسيلة أخرى استعملت في ارتكاب فعل الانتحار، مع دراية تامة أنها ستستعمل في ذلك، أو ساعد في التحضير لها أو في تسهيلها.
وذلك في انتظار تدخل المشرع المغربي لسد الفراغ القانوني في هذا الباب ،خاصة أمام قاعدة أنه لا عقوبة ولا جريمة الا بنص ولا عقاب على المحاولة إلا بنص .
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.