بمجرد أن أعلن الديوان الملكي، عن الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى رئيس الحكومة في شأن : “إعادة النظر في مدونة الأسرة” ، وحتى قبل أن تبدأ اللجنة المكلفة بالتعديل عملها، ومشاوراتها، حتى انبرت البعض بتوجهاتهم الفكرية المختلفة أو من باب إنتماءات معينة ، إلى شن هجوم غير مقبول على الدولة ، وعلى مؤسساتها ، عبر الزعم بأن القرار الملكي في شأن تعديل المدونة ، ليس – حسب زعمهم – سوى “رضوخا لإملاءات جهات أجنبية” ، بهدف “تشتيت الأسرة المغربية” ، و”المساس بالثوابت الدينية للمغاربة” ، وكأننا لسنا في دولة عريقة، وذات سيادة ، يرأسها أمير المؤمنين ، وسليل الدوحة النبوية الشريفة ، وتبعا لذلك فنحن اليوم، وقبل أي وقت مضى، في أمس الحاجة إلى نقاش هادئ، وهادف ، يراعي خصوصيتنا ، ويحترم مكتسباتنا الحقوقية، دون مزايدات فارغة، أو أي إبتزاز سياسي مرفوض .
لذلك ارتأينا تقديم وجهة نظر من خلال النقط التالية :
1- خارطة ملكية واضحة:
الحقيقة التي تجاهلها الذين اختاروا الهجوم على الدولة ، بسبب تعديل المدونة ، تتجلى في ما ورد في نص البلاغ الصادر عن الديوان الملكي ، البلاغ الذي أكد في مقدمته أن الرسالة الموجهة إلى رئيس الحكومة ، قد صدرت عن جلالة الملك، محمد السادس نصره الله وأيده، بصفته “أميرا للمؤمنين”، أي بصفته الدينية، وليس بصفته السياسية فقط .
مما يجعل الشوشرة والتشويش الذي تعمده البعض باسم “الغيرة على الدين” ، من قبيل نشر الفتنة ، والابتزاز السياسي الذي سبق وأن أعلن جلالته – في مناسبة سابقة – رفضه عبر بلاغ رسمي.
وفضلا عن ذلك، فإن بلاغ الديوان الملكي قد أكد أن الرسالة الملكية قد رسمت للجنة الإشراف على عملية التعديل، خارطة طريق واضحة المعالم. خارطة تقتضي أن يتم “إعداد هذا الإصلاح الهام، بشكل جماعي ومشترك بين كل من وزارة العدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة”، بوصفها المؤسسات المعنية دستوريا بكل ما هو قانوني. بل إن الرسالة الملكية السامية قد أكدت كذلك على ضرورة إنجاز هذا الإصلاح من خلال “الإشراك الوثيق للهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين”، قبل أن تقوم الحكومة، حسب خارطة الطريق الملكية، على “صياغة مشروع قانون ، وعرضه على البرلمان للمصادقة”.
وباستقراء هذه العناصر المشكلة لمضمون الرسالة الملكية السامية، يتبين لنا أن جلالة الملك قد ركز على نقطتين أساسيتين في توجيهاته السامية في شأن إصلاح مدونة الأسرة ، فالنقطة الأولى تتعلق بإضفاء الطابع الديني على عملية الإصلاح، وذلك من خلال صدور الأمر به عن جلالته بوصفه أميرا للمؤمنين ، وكذا من خلال تكليف المؤسسات المعنية بالشأن الديني على المستوى الدستوري بالإشراف على الإصلاح ، مما يستفاد منه أن جلالته قد شدد في هذا المقام على وجوب احترام الخصوصيات الدينية للمغاربة.
أما النقطة الثانية ، فتتجلى في حرص جلالته على تعزيز الرصيد الذي راكمته بلادنا على مستوى المكتسبات الحقوقية للمرأة المغربية، في إطار خيار المسار الحداثي والديمقراطي الذي تبنته بلادنا منذ عقود.
لنقف عزيزي المتلقي على وجوب التنبيه لسبعة مداخل لإصلاح مدونة الأسرة وذلك مساهمة منا في إرساء أسس نقاش هادئ ، ومثمر ، وكفيل بتقديم إضافة نوعية لعملية الإصلاح الملكي المنشود ، على أساس ما استخلصناه من تجربتنا المهنية في مجال الممارسة الترافعية في مختلف محاكم المملكة ، واشتغالنا اليومي على المئات من قضايا موكلينا، وموكلاتنا المؤطرة بمقتضيات مدونة الأسرة، فضلا عن نشاطنا الحقوقي ورسالتنا السامية بالدفاع عن حقوق الإنسان ،وعليه فإننا نرى أن عملية الإصلاح يجب أن تنكب على سبعة مداخل أساسيةوهي :
المدخل الأول: -زواج القاصرات
من المعلوم أن القانون المغربي، بمقتضى النسخة الحالية لمدونة الأسرة، يسمح بزواج الفتيات أقل من 18 سنة ، شرط أن يتم عقد القران على يد قاض في محكمة قضاء الأسرة وبعد بحث وخيرة طبية يأمر بها تمهيديا قبل إعكاء الإذن بإبرام هذا الزواح .
وفي نظرنا ، وتبعا للمشاكل المترتبة عن هذا المقتضى القانوني، فإننا نرى ضرورة إلغاء زواج القاصرات أقل من 18 سنة بشكل نهائي، ومحاسبة كل من ساهم في أي زيجة لفتاة قاصر، لأن طفلة في هذه السن غير مؤهلة لتأسيس أسرة ورعاية أطفال بل نعتبره جريمة من جرائم الإتجار بالبشر .
المدخل الثاني: – القوامة والكد والسعاية.
النسخة الحالية لمدونة الأسرة تتضمن مقتضيات مشوبة ببعض اللبس والإبهام في ما يتعلق بحق الكد والسعاية ( والتي تعني باللغة الأمازيغية تَامَازَّالْتْ ) ، مما يتوجب معه العمل على تداركه من خلال التنصيص و بشكل صريح على حق اقتسام الأموال المكتسبة بشكل “تشاركي مثبت” ، إبان العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة.
أما إذا حصل طلاق الزوجة، وكانت موسرة، أو تعمل، فعليها كذلك المشاركة في الإنفاق، والمساهمة ماديا في نفقة الأبناء، بدل تحميل الزوج وحده مسؤولية ذلك، دون الوقوف عند كل قراءة متحجرة وعتيقة لمفهوم “القوامة”، و الذي يجب أن تتم مراجعته بشكل جذري وإعادة فتح باب الإجتهاد الفقهي والقانوني بخصوصه .
المدخل الثالث: – الموافقة على التعدد.
من بين النواقص المسجلة على النسخة الحالية من مدونة الأسرة، تنصيصها على إمكانية الترخيص للرجل بالتعدد المشروط بموافقة الزوجة الأولى، وانتفاء الخوف من عدم العدل بين الزوجات ، والحال أن مسألة التعدد قد شهدت اجتهادات دينية مهمة، أهمها الاجتهاد الكبير الذي سبق وأن عبر عنه العلامة المغربي علال الفاسي حين دعا الدولة إلى منع التعدد. ذلك لأن التعدد إنما كان مسموحا به قرآنيا في حالات استثنائية خاصة ، لم تعد قائمة اليوم.
المدخل الرابع: الحضانة
من بين الثغرات القانونية التي نرى أن لجنة تعديل مدونة الأسرة في المغرب ، مدعوة لاستدراكها وهي سحب الطفل من المرأة الحاضن إذا ما تزوجت والطفل عمره أكثر من 7 سنوات، لأن القانون يعطي الحق للرجل في الحضانة.
والحال أن مصلحة الطفل تكمن في أن يظل مع والدته حتى وإن تزوجت ، لأنها هي من حضنت عليه منذ أن حصل الطلاق ، وهذا أغلب الرأي ، إلا في حالة واحدة و هي إن تخلت عنه صراحة لوالده، أو حصل بينهما توافق بخصوص مسألة الحضانة.
المدخل الخامس: -النسب حسب مدونة الأسرة الحالية .
من المعلوم والمعمول به أن نسب الولد يثبت بالفراش ، أي تأكيد حصول علاقة زوجية كاملة ، والشبهة أي حصول حمل في فترة الخطوبة ، أو بالإقرار أي باعتراف الطرفين بأن المولود هو إبنهما، سواء كان بينهما عقد أم لا.
وفي حالة رفض الأب الاعتراف بالمولود الجديد يتم إخضاعه لفحص جيني ADN ، غير أن المدونة الحالية لا تلحق الطفل بوالده إذا رفض هذا الأخير ، حتى لو جاءت نتائج الفحص متطابقة بين الطفل والأب ، مما يتعين معه الاشتغال على ضرورة حصول الطفل على نسب والده بشكل مباشر إذا ما تم التأكد من نسبته إليه عبر الحمض النووي ، و حتى لو رفض الأب الاعتراف بابنه البيولوجي وتسجيله في اسمه. وبالتالي تحمله مسؤولية الإنفاق على الطفل حتى بلوغه سن الرشد ، وإلا يتعرض للمتابعات القانونية وفق النصوص الخاصة بحماية حقوق الطفل .
المدخل السادس: -الوثائق الإدارية .
من بين الثغرات القانونية الموجودة كذلك في النسخة الحالية من مدونة الأسرة في المغرب، إعطاء الصلاحية الكاملة للأب في تحديد مصير أطفاله من طليقته، رغم أن الأم هي الحاضنة منذ حصول الطلاق.
فلا يحق للزوجة استخراج شهادات الولادة لأطفالها، ولا جواز السفر، ولا تسجيلهم في مدارس، ولا نواد ترفيهية، ولا السفر بهم لخارج البلاد قصد قضاء العطلة والعودة إلا بموافقة الزوج. وكمهنيين مزاولين، وقفنا على مجموعة من التجاوزات التي تسببت فيها هذه الثغرة القانونية على أرض الواقع، إذ يرفض الآباء تعنتاً السماح لأطفالهم بالسفر للعطلة، أو الدراسة لفترة قصيرة خارج البلد، كما أن هناك أطفالاً لم يلتحقوا بالمدرسة لأن الأب رفض منحهم الموافقة لاستخراج الوثائق الإدارية.
المدخل السابع: – التعصيب على البنات .
من بين الأمور الخلافية التي أحدثت جدلا خلال جلسات مناقشة النسخة الأولى من مدونة الأسرة سنة 2004 ، مسألة المساواة في الإرث، ليتم في الأخير عدم تغيير القواعد الإرثية. غير أن الحيف الذي ظل يلحق البنات في مجتمعنا الذكوري ، يدفعنا إلى التأكيد على ضرورة إيجاد مخرج لقضية أن يرث الأعمام خصوصا مع بنات إخوانهم ، نظرا للأحداث التي يعرفها المجتمع بخصوص هذه المسألة.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام بهيئة المحامين بأكادير والعيون والمقبول لدى محكمة النقض.