تشهد دولة الغابون الصديقة للمغرب توترا كبيرا في الأوضاع الداخلية بعد استيلاء عسكريين على السلطة ووضعهم الرئيس علي بونغو قيد الإقامة الجبرية، تزامنا مع حل مؤسسات الدولة وإغلاق حدود البلاد حتى إشعار آخر.
ولا يعد هذا الانقلاب استثناء في القارة السمراء، ولكنه امتداد لسلسلة متواصلة من الانقلابات التي شهدتها منطقة غرب أفريقيا مؤخرا، فقد سبقته بفترة قليلة أربع انقلابات أخرى في النيجر وغينيا ومالي وبوركينا فاسو، ناهيك عن المحاولات الانقلابية التي حدثت في أكثر من دولة أفريقية أخرى خلال الأعوام الماضية.
ومنذ العام 2012، شهدت القارة ما يقرب من 45 انقلابا أو محاولة انقلابية على السلطة، وذلك بمعدل 4 انقلابات أو محاولة انقلابية في العام تقريبا، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات واسعة حول الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة.
لماذا تكثر الانقلابات في أفريقيا؟
يرى أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في جامعة “تافتس”، أن الانقلابات سالفة الذكر هي مؤشر يدل على أن جزءا كبيرا من القارة، معظمها في منطقة الساحل، حاد عن طريق بناء دول مستقرة.
وأفاد الكاتب في مقال له نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أن هناك قواسم مشتركة بين كل بلدان الساحل الأفريقي التي استولى فيها الجنرالات على الحكم مؤخرا، أبرزها تفشي الفساد وتقويض مصداقية القادة السياسيين وكذا ضعف الإدارة المدنية.
وتوقف ذات الكاتب عند الدعم الذي تقدمه القوى الأجنبية للعسكر مقابل إضعاف أنظمة الحكم، وذلك لتسهيل إقامة قواعد عسكرية لها في البلدان المستهدفة والتعاون مع الجيش المحلي لمحاربة الإرهاب والهجرة.
لكن في المقابل، يرى أليكس دي وال أن “الجنرالات الانقلابيين بدورهم يمكن أن يواجهوا انقلابات مماثلة، ذلك أن الاستقرار لا يمكن أن يعم بلدان القارة الأفريقية مالم تقدم للشعوب نتائج ملموسة”، مضيفا أن “الناس هناك، كما في باقي مناطق العالم، يحتاجون إلى وظائف، كما يحتاجون إلى الغذاء والسكن والتعليم الجيد والرعاية الصحية، والسلام والأمن”.
تحديات تواجه القادة السياسيين وتمهد الطريق لحكم العسكر
أفاد المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي بأن القادة الأفارقة الذين يصلون إلى سدة الحكم بواسطة الانتخابات يصطدمون بتحديات كبيرة تجعلهم غير قادرين على تحقيق مطالب الشعوب التي انتخبتهم، وفي مقدمتها تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع مستويات الجريمة وانعدام الأمن.
وشدد الكاتب على أن التحدي الأكبر الذي يقف حجر عثرة أمام قدرة القادة الأفارقة المنتخبين ديمقراطيا على تقديم إنجازات تعزز مصداقيتهم لدى شعوبهم هو تدهور الاقتصاد.
وأبرز الكاتب أن عوامل عديدة عمقت الأزمات الاقتصادية في القارة السمراء، ومن بينها تفشي وباء كورونا، والغزو الروسي لأوكرانيا، وتغير المناخ الذي تسبب في موجات الجفاف، والفيضانات والارتفاع الشديد لدرجات الحرارة التي ضربت الدول الأفريقية خلال السنوات الأخيرة.
ومن جهة أخرى، أشار الكاتب إلى أن التحديات سالفة الذكر فاقمها النمو الديمغرافي السريع في أفريقيا، والذي يسير بوتيرة تفوق بكثير ما هو متاح من الإمكانيات الاجتماعية والاقتصادية.
هذا، وخلص أليكس دي وال إلى أن “إفريقيا لا تستطيع حل الأزمات المتراكمة التي تعصف بمنطقة الساحل وحدها”، مشيرا إلى أن “لا أحد يملك حلا سحريا لخلق أنظمة حكم قابلة للاستمرار في البلدان الأفريقية، بسبب ما يتهددها من صعوبات اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية متزايدة”.