أكادير 24
لغة الاقتصاد تعلو على لغة السياسة في الاستراتيجية الجديدة لدول الخليج
تحركات مكثفة تشهدها منطقة الخليج توحي بأننا أمام مرحلة جديدة في العلاقات التي تحكم هذه المنطقة الغنية بالغاز والبترول. بعد الشرارة الأولى التي دشنت لمرحلة الربيع العربي في 2011، انتشرت بؤر التوتر والصراعات الداخلية التي وصلت درجة الحرب الأهلية في بعض البلدان، وكانت دول الخليج بزعامة المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة، تتدخل بشكل مباشر في أغلب هذه الصراعات، ولم يسلم من هذه التدخلات حتى حليفهم في مجلس التعاون الخليجي دولة قطر.
دول الخليج كانت تعتبر تدخلها في الدول العربية التي عرفت ثورات الربيع العربي، عبارة عن نزهة لن تدوم سوى بضعة أسابيع وفي أكبر تقدير بضعة شهور. لكن النزهة تحولت إلى مَصْيدة دامت أكثر من عقد من الزمان ودون أفق للحل في المستقبل. إنه مستنقع دخلته الدول الخليجية ولا تعرف كيف تخرج منه.
إن الدينامية التي تشهدها منطقة الخليج تؤكد أننا أمام مرحلة جديدة وقرارات كبيرة من شأنها أن تخلق واقعا جديدا مغايرا تماما لما هو عليه الحال من صراعات واصطفافات وتحالفات. بدأت معالم هذا التوجه الجديد باللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي بأمير قطر في مدينة العُلا. ثم تفاجأ العالم بزيارة وزير خارجية الإمارات لسوريا ولقائه بالرئيس بشار الأسد الذي لم يعد رئيسا غير شرعي ولا مطالبا بالرحيل. وتتالت المفاجآت بزيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي لطهران ولقائه بأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وأخيرا زيارة ولي عهد أبو ظبي لتركيا ولقائه مع الرئيس أردوغان. هذا الأخير حل مؤخرا بالدوحة في زيارة لأمير دولة قطر.
هذا الكم الهائل من الزيارات لا يمت بصلة للعلاقات السياسية السائدة في المنطقة. فسياسيا لا أحد من المتتبعين كان يتوقع زيارة محمد بن زايد للرئيس أردوغان في أنقرة، ولا زيارة وزير جارجية الإمارات للرئيس بشار الأسد. لذلك نقول إن هذه الدينامية التي تشهدها منطقة الخليج بزعامة الإمارات لها حسابات اقتصادية واستثمارية أكثر من الحسابات السياسية. وكأن لسان دول الخليج يقول إن الحروب والصراعات يجب أن لا تمنع استمرار العلاقات التجارية والاتفاقات الاقتصادية.
بعد أكثر من عشر سنين، اتضح لدول الخليج أن الصراعات التي يخوضونها في منطقة ينتمون إليها، لا تحمل في طياتها أي ربح لجميع الأطراف المتصارعة، وأن مآلاتها هو توزيع الخسارة على الجميع، وأقصى ما يمكن جنيه من هذه الصراعات حو حجم الخسارة الذي يمكن أن يزيد أو ينقص. أما الربح فهو من نصيب الدول العظمى التي تستفيد من هذا الطرف كما تستفيد من الطرف الآخر. ومما زاد يقين دول الخليج من هذه المعادلة التي تزكيها الدول العظمى، هو وصول التوترات إلى حدود بلدانها. فالمدن السعودية أصبحت تحت تهديد الحوثيين في اليمن، والإمارات تعلم جيدا أن أي مواجهة مباشرة مع إيران، سيضع ثروتها برمتها تحت تهديد الصواريخ الباليستية كما وقع لمصفاة أرامكو السعودية.
الوضع الإقليمي المحيط بدول الخليج، أصبح يهدد كيان هذا التجمع الاقتصادي المتكتل في مجلس التعاون الخليجي أكثر من الدول التي تعرف تدخلا مباشرا أو غير مباشر في شؤونها الداخلية. هذا الوضع هو الذي جعل دول الخليج تقوم بإعادة ترتيب علاقاتها الإقليمية وفق منظورٍ يضع المصالح التجارية فوق الصراعات السياسية. إنها استراتيجية حكيمة ومتعقلة، ونجاحها سيكون رافعة لتقوية الوضع الإقليمي لدول الخليج وتعزيز مكانته في المنظم الدولي. لكن هذا النجاح يبق رهينا بمدى صمود دول الخليج أمام مناورات الدول العظمى، المستفيد الأول من الوضع الراهن.
سعيد الغماز