لا يمكن لأي متتبع للسياسة الخارجية للمملكة المغربية، إلا التعبير عن حصافة ونجاعة الممارسة الديبلوماسية المغربية تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله.
فلم يمض غير وقت يسير عن إعلان جلالته لبشرى احتضان المغرب لنهائيات كأس العالم سنة 2030 ، حتى زفت وسائل الإعلام بشرى أخرى من قلب الأمم المتحدة بنيويورك.
فما الذي حصل؟ سنحاول عزيزي المتلقي رصد ابعاد قرار اللجنة الرابعة من خلال النقاط الثلات الآتية :
1- دعم جدية و مشروعية الأطروحة المغربية :
إعتمدت اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة ، قرارا جددت بموجبه دعمها السابق للعملية السياسية الجارية حول النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، تحت الإشراف الحصري للأمم المتحدة.
المهم في هذا القرار الجديد ، أنه قد أقبر بشكل نهائي أطروحة الاستفتاء التي كانت من بين مهام بعثة المينورسو . حيث دعى كل الأطراف ،المغرب و الجزائر و موريتانيا و البوليساريو ، إلى التعاون من أجل تسوية هذا الملف على أساس القرارات التي اعتمدها مجلس الأمن منذ عام 2007 ،خاصة القرارات رقم 2440 و2468 و2494 و2548 و2602، و2654 ، والتي جعلت معايير حل النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، متمثلة في حل سياسي وواقعي وعملي ودائم وقائم على روح التوافق.
وهي قرارات كرست جميعها سمو مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب، ورحب بها المجتمع الدولي باعتبارها مبادرة جادة وذات مصداقية ، من أجل التسوية النهائية لهذا النزاع الإقليمي في إطار سيادة المملكة المغربية ووحدتها الترابية ، مع تثمينها أيضا للإجراءات والمبادرات التي اتخذها المغرب لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في أقاليمه الجنوبية.
ومن الواضح أن هذا القرلر لم يشر ولم يقف على الحرب الوهمية التي تتدعي كل من الجزائر والبوليساريو أنها قائمة في الصحراء المغربية.
2- عمر هلال… سفير فوق العادة:
معلوم و بمقتضى الدستور المغربي لسنة 2011 ، أن القضايا المتعلقة بالأمن القومي والسياسة الخارجية للمغرب ، تعتبر مجالا محفوظا للمؤسسة الملكية .
وبناء على هذا الأساس، لم يكن غريبا أن يقع اختيار جلالة الملك للسفير عمر هلال مندوبا دائما للمملكة لدى الأمم المتحدة . فقد أبان هذا الديبلوماسي المحنك عن علو كعبه في تنفيذ الرؤية الملكية المؤطرة للسياسة الخارجية للبلاد في مختلف المحافل الدولية ، ولا سيما في اللجنة الرابعة للأمم المتحدة.
وضمن هذا السياق ، تابع الجميع كيف تمكن السيد “هلال” في الاجتماع الأخير للجنة الرابعة، من إفحام خصوم الوحدة الترابية للمغرب، وعلى رأسهم مندوب الجزائر ، حيث ركز في مداخلته على ثلاثة نقط:
– أولا: التزام المغرب بالتسوية النهائية للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، من أجل الحفاظ على استقرار، وأمن وازدهار المنطقة المغاربية وخارجها.
– ثانيا: تشبت المملكة بالعملية السياسية الجارية تحت الإشراف الحصري للأمم المتحدة من أجل التسوية النهائية لهذا النزاع، على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي في إطار سيادة المملكة ووحدتها الترابية.
ومن وجهة نظرنا، فإن هذا الانتصار الدبلوماسي الجديد للمغرب، لا يمكن فهمه إلا على ضوء نتائج الزيارة الأخيرة التي قام بها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية “ستيفان دي ميستورا” من 4 إلى 8 شتنبر 2023 ، حيث التقى برئيسي جهتي العيون والداخلة، وممثلي السكان المنتخبين ديمقراطيا، والسلطات المحلية، والشيوخ، والفاعلين الاقتصاديين، والمجتمع المدني ، وبالعائدين من مخيمات تندوف، ورؤساء البعثات القنصلية لثلاتون دولة تم فتحها في مدينتي العيون والداخلة.
هذا فضلا عن اطلاعه، عن كثب، على حجم التقدم المحرز في مجال التمكين السياسي، والتنمية السوسيو – اقتصادية في الصحراء المغربية.
الأمر الذي جعله يدرك حجم المشاريع والبنيات التحتية المنجزة في إطار النموذج الجديد لتنمية الأقاليم الجنوبية.
3- موقف أمريكي مشرف:
إن النقاشات التي شهدتها أعمال اجتماع اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، كانت مناسبة سانحة لتفنيد مزاعم الجزائر، وأعداء الوحدة الترابية للمغرب، في أن موقف الولايات المتحدة الأمريكية قد تغير بخصوص قضية الصحراء المغربية.
فقد عبرت ممثلية واشنطن في الأمم المتحدة عن رفضها ومعارضتها لما يسمى بتنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة ، مؤكدة أن واشنطن تشعر بالفزع إزاء إقرار هذه النقطة التي تعتبر قديمة . بل أكدت ممثلية واشنطن بالأمم المتحدة أن ما يسمى بتقرير المصير لأي ساكنة كانت ، يجب أن يمارسه الجميع، وليس فئة محددة فقط . وهو ما يترجم بشكل واضح ثبات الموقف الرسمي للدبلوماسية الأمريكية في رفضها لمساعي الجزائر المساس بالوحدة التراببة للمغرب.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في قضية الصحراء المغربية.